كفاية الظّن فيما لا غنى عن معرفته ولا طريق إليه غيره غالبا ، إذ من المعلوم شدّة الحاجة إلى معرفة أقوال علماء الفريقين وآراء سائر أرباب العلوم لمقاصد شتّى لا محيص عنها ، كمعرفة المجمع عليه والمشهور والشاذّ من الأخبار والأقوال ، والموافق للعامّة أو أكثرهم ، والمخالف لهم ، والثقة والأوثق والأورع والأفقه ، وكمعرفة اللغات وشواهدها المنثورة والمنظومة ، وقواعد العربيّة التي عليها يبتنى استنباط المطالب الشرعيّة ، وفهم معاني الأقارير والوصايا وسائر العقود والإيقاعات المشتبهة ، وغير ذلك ممّا لا يخفى على المتأمّل.
ولا طريق إلى ما اشتبه من جميع ذلك غالبا سوى النقل غير الموجب للعلم ، والرجوع إلى الكتب المصحّحة ظاهرا ، وسائر الأمارات الظنّية. فيلزم جواز العمل بها والتعويل عليها فيما ذكر ، فيكون خبر الواحد الثّقة حجّة معتمدا عليها فيما نحن فيه ، ولا سيّما إذا كان الناقل
____________________________________
ثمّ الوجه الثالث على حجّية نقل السبب ما أشار إليه بقوله : (وما اقتضى كفاية الظّن فيما لا غنى عن معرفته) ومن المعلوم عدم الغنى عن معرفة الإجماع ، فيلزم حجّية نقل الإجماع من العادل بدليل الانسداد المعروف بينهم.
ثمّ أشار إلى توضيح الانسداد بقوله : (إذ من المعلوم شدّة الحاجة إلى معرفة أقوال علماء الفريقين) ، أي : العامة والخاصة (وآراء سائر أرباب العلوم) كالنحوي والمنطقي واللغوي والرجال ، ممّا له علاقة قريبة أو بعيدة باستنباط الأحكام الشرعية (كمعرفة المجمع عليه والمشهور) لأنّهما ممّا يؤخذ بهما سواء كانا في الأقوال أو الأخبار.
(والشاذّ من الأخبار) لا يؤخذ به ، كما لا يؤخذ بالشاذّ من الأقوال (والموافق للعامّة أو أكثرهم ، والمخالف لهم) ؛ لأنّ الفقيه يحتاج إلى معرفة ما هو الموافق للعامّة حتى يترك ، ومعرفة ما هو المخالف لهم حتى يأخذ به.
(والثقة والأوثق والأورع والأفقه) ، كما أنّ الفقيه يحتاج إلى معرفة هؤلاء الرواة حتى يميّز ما هو الراجح سندا عمّا هو المرجوح عند تعارض الخبرين.
إلى أن قال في تكميل تقريب هذا الوجه : (ولا طريق إلى ما اشتبه من جميع ذلك غالبا سوى النقل غير الموجب للعلم ، والرجوع إلى الكتب المصحّحة ظاهرا ، وسائر الأمارات الظنّية ، فيلزم جواز العمل بها) أي : بالأمارات الظنّية.
إلى أن قال : (فيكون خبر الواحد الثّقة حجّة معتمدا عليها) في جميع الموارد المذكورة ،