لا يرجع إلى الاختيار قبحه غير معلوم ، كما تشهد به الأخبار الواردة في أنّ : (من سنّ سنّة حسنة كان له مثل أجر من عمل بها ، ومن سنّ سنّة سيّئة كان له مثل وزر من عمل بها) (١).
فإذا فرضنا أنّ شخصين سنّا سنّة حسنة أو سيئة واتّفق كثرة العامل بإحداهما وقلّة العامل بما سنّه الآخر ، فإنّ مقتضى الروايات كون ثواب الأوّل أو عقابه أعظم.
وقد اشتهر : (أنّ للمصيب أجرين وللمخطئ أجرا واحدا) والأخبار في أمثال ذلك في
____________________________________
والمقام من القسم الثاني ؛ لأنّ المصادفة بنفسها وإن كانت غير اختيارية ولكن ترجع بالآخرة إلى الاختيار ، بمعنى أنّها نتيجة للشرب الاختياري ، والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، هذا في جانب العقاب ، وأمّا عدم العقاب فيصح أن يكون منوطا بأمر خارج عن الاختيار كما ذكرنا.
فالمخلّص أن التفاوت بالاستحقاق والعدم يحسن أن يكون منوطا ببعض ما هو خارج عن الاختيار ، فقول القائل : بأن التفاوت بالاستحقاق والعدم لا يحسن أن يناط بمطلق ما هو خارج عن الاختيار ممنوع وباطل.
(كما تشهد به) أي : بعدم قبح التفاوت بأمر خارج عن الاختيار(الأخبار الواردة).
ولتوضيح مضمون هذه الأخبار وتطبيقها في المقام نقول :
الظاهر من هذه الأخبار أن الامور الخارجة عن الاختيار قد تكون دخيلة في استحقاق كثرة الثواب والعقاب وقلّتهما كمدخليّتها في المقام في أصل الاستحقاق وعدمه ، اذ المستفاد منها ان كثرة العامل بسنّة أحد الشخصين وقلّته بسنّة الآخر مؤثّرتان في كون ثواب الأول أو عقابه أكثر وأعظم من الثاني مع أن كثرة العامل وقلّته خارجتان عن اختيارهما.
فالحاصل أن ما يصلح أن يكون مؤثّرا في الكثرة والقلّة من أمر غير اختياري كما في مورد الأخبار هو يصلح أن يكون مؤثّرا في أصل الاستحقاق وعدمه كما في المقام.
(وقد اشتهر : (أنّ للمصيب أجرين وللمخطئ أجرا واحدا)) مع أن الإصابة أمر خارج عن الاختيار لكنه مؤثر في الأجر ، وكذلك نقصان ثواب المخطئ عن ثواب المصيب ليس
__________________
(١) الوسائل ١٥ : ٢٤ ـ ٢٥ ، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه ، ب ٥ ، ح ١. غوالي اللآلئ ١ : ٢٨٥ ، ح ١٣٦. صحيح مسلم ٢ : ٥٨٣ / ١٠١٧. المعجم الأوسط ٤ : ٤٢١ / ٣٧٠٥ ، بتفاوت يسير في الجميع.