قلت : أمّا البديهيات فهي له وحده ، وهو الحاكم فيها ، وأمّا النظريات ؛ فإن وافقه النقل وحكم بحكمه قدّم حكمه على النقل وحده ، وأمّا لو تعارض هو والنقلي فلا شك عندنا في ترجيح النقل وعدم الالتفات إلى ما حكم به العقل ـ قال ـ : وهذا أصل يبتني عليه مسائل
____________________________________
من الله تعالى كما في بعض الروايات : على الناس حجّتان حجّة ظاهرية وهو الرسول ، وحجّة باطنية وهو العقل (١).
وعن أبي جعفر عليهالسلام قال : (لمّا خلق الله العقل استنطقه ثم قال له : أقبل ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منك ، ولا أكملتك الّا فيمن أحبّ ، أما إنّي إيّاك آمر وإيّاك أنهى ، وإيّاك اعاقب وإيّاك اثيب) (٢).
فالمستفاد من هذه الروايات هو حجّية حكم العقل ، والأخباريون يعملون بالروايات الواردة عن المعصومين عليهمالسلام فكيف يقولون بعدم حجّية العقل مع أنّ الروايات دلّت على حجّية العقل؟
(قلت : أمّا البديهيات فهي له وحده).
يعني : أقول في الجواب : إنّا لم نعزل العقل على نحو كلّي حتى يشكل بما ذكر ، إذ البديهيات كوجوب شكر المنعم ، وحسن الإحسان ، وقبح الظلم ، وقبح التكليف بما لا يطاق ، فهي له وحده.
(وأمّا النظريات).
فحكم العقل ـ أيضا ـ فيها معتبر مطلقا ، يعني : سواء كانت منتهية إلى الحسّ ، أو قريبة منه ، أو بعيدة عنه ما لم يكن حكم العقل معارضا للنقل.
نعم ، إن عارضه النقل ، وكان العقل مؤيّدا بالنقل بأن وافقه النقل قدّم حكمه على النقل المجرد ، كحكم العقل بقبح قصد المعصية المعارض للنقل الدالّ على عدم العقاب بقصد المعصية ، لكنه موافق للنقل الدالّ على العقاب بقصد المعصية.
(وأمّا لو تعارض هو والنقلي) كإنكار العقل وحده للمعراج الجسماني لأن الأفلاك لا تقبل الخرق والالتئام ، والنقل المعتبر دل على تحقّق المعراج (فلا شكّ عندنا في ترجيح
__________________
(١) الكافي ١ : ١٦ / ١٢ ، بالمعنى.
(٢) الكافي ١ : ١٠ / ١.