والذي يقتضيه النظر ـ وفاقا لأكثر أهل النظر ـ أنّه كلّما حصل القطع من دليل عقليّ فلا يجوز أن يعارضه دليل نقليّ ، وإن وجد ما ظاهره المعارضة فلا بدّ من تأويله إن لم يمكن طرحه ، وكلّما حصل القطع من دليل نقليّ ، مثل القطع الحاصل من إجماع جميع الشرائع على حدوث العالم زمانا ، فلا يجوز أن يحصل القطع على خلافه من دليل عقليّ ، مثل استحالة تخلّف الأثر عن المؤثّر ، ولو حصل منه صورة برهان كانت شبهة في مقابلة البديهة ،
____________________________________
متغيّر ، وكل متغيّر حادث ، فالعالم حادث لأن التغير أمر وجداني يثبت به حدوث العالم.
(والذي يقتضيه النظر ـ وفاقا لأكثر أهل النظر ـ أنّه كلّما حصل القطع من دليل عقلي فلا يجوز أن يعارضه دليل نقلي).
وحاصل ما اختاره المصنّف رحمهالله في المقام وفاقا للأكثر هو أنّه كلّما حصل القطع من دليل عقلي فطريا كان أم بديهيا أو غيرهما فلا يجوز أن يعارضه دليل نقلي.
(وإن وجد ما ظاهره المعارضة فلا بدّ) من طرح ما ظاهره المعارضة إن أمكن ، مثل ما لم يكن قطعيا من حيث السند كالأخبار الدالة على كون الله تعالى جسما ، وما لا يمكن طرحه ممّا يكون قطعيا من حيث السند ، والصدور كقوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(١) الظاهر في أنّه تعالى جسم استقر على العرش والكرسي ، فلا بدّ من تأويله بما لا ينافي حكم العقل بأنه تعالى ليس بجسم ، فيقال : إن كونه تعالى على العرش كناية عن الاستيلاء والتدبير.
(وكلّما حصل القطع من دليل نقلي ، مثل القطع الحاصل من إجماع جميع الشرائع على حدوث العالم زمانا ، فلا يجوز أن يحصل القطع على خلافه من دليل عقلي ، مثل استحالة تخلف الأثر عن المؤثّر).
والحاصل أنّ الإجماع قد قام على حدوث العالم زمانا ، فلا يمكن أن يحصل القطع من دليل عقلي على حدوث العالم ذاتا كما ذهب إليه الحكماء واستدلوا عليه بأن العالم أثر ومعلول للصانع القديم ، وكل ما هو أثر للقديم قديم ، فالعالم قديم ، لاستحالة انفكاك
__________________
(١) طه : ٥.