وإلّا فادراك العقل القطعيّ للحكم المخالف للدليل النقليّ ـ على وجه لا يمكن الجمع بينهما ـ في غاية الندرة ، بل لا نعرف وجوده ، فلا ينبغي الاهتمام به في الأخبار الكثيرة ، مع أنّ ظاهرها ينفي حكومة العقل ولو مع عدم المعارض ، وعلى ما ذكرنا يحمل ما ورد من : (إنّ دين الله لا يصاب بالعقول) (١).
وأمّا نفي الثواب على التصدّق مع عدم كون العمل به بدلالة وليّ الله ، فلو ابقي على ظاهره دلّ على عدم الاعتبار بالعقل الفطريّ الخالي عن شوائب الأوهام ، مع اعترافه بأنّه حجّة من حجج الملك العلّام ، فلا بدّ من حمله على التصدّقات غير المقبولة ، مثل التصدّق على المخالفين ، لأجل تديّنهم بذلك الدين الفاسد ، كما هو الغالب في تصدّق المخالف على المخالف ، كما في تصدّقنا على فقراء الشيعة ، لأجل محبّتهم لأمير المؤمنين عليهالسلام وبغضهم
____________________________________
(وإلّا) أي : وإن لم يكن المقصود من الأخبار ما ذكر ، بل كان المقصود مدخليّة توسّط تبليغ الحجّة يرد عليه :
أوّلا : بأن إدراك العقل القطعي للحكم المخالف للدليل النقلي يعني تعارض العقل والنقل على وجه لا يمكن الجمع بينهما ، يكون في غاية الندرة بل لا يعرف وجوده ، اذ يمكن الجمع في جميع موارد تعارضهما ، فلا ينبغي الاهتمام به ، أي : التعارض في هذه الأخبار الكثيرة لأن الاهتمام بشيء نادر الوجود أو غير موجود قبيح عقلا ولغو عند العقلاء.
وثانيا : أنّ ظاهر الأخبار ينفي حكومة العقل مطلقا ، أي : ولو مع عدم المعارض ، بل ينفي حجّية العقل الفطري ، مع أنّ الأخباريين يعملون بالعقل الفطري مطلقا ، وبغيره مع عدم التعارض ، فعليهم ـ أيضا ـ الجواب عن هذه الأخبار.
قوله : (وأمّا نفي الثواب على التصدّق مع عدم كون العمل به بدلالة وليّ الله).
يمكن أن يكون دفعا لما يتوهّم من أنّ في الأخبار تصريحا بمدخليّة توسّط تبليغ الحجّة ، وعدم حجّية العقل مطلقا ، وذلك لأن حسن التصدّق بديهي يحكم به العقل الفطري. وقد نفي الثواب عنه في هذه الأخبار ، ونفي الثواب ظاهر في انتفاء الحكم العقلي
__________________
(١) كمال الدين : ٣٢٤ / ٩.