فهو توبيخ على المقدّمات المفضية إلى مخالفة الواقع وقد أشرنا ـ هنا وفي أوّل المسألة ـ إلى عدم جواز الخوض لاستكشاف الأحكام الدينيّة في المطالب العقليّة والاستعانة بها في تحصيل مناط الحكم ، والانتقال منه إليه على طريق اللّم ، لأنّ أنس الذهن بها يوجب عدم حصول الوثوق بما يصل إليه من الأحكام التوقيفيّة ، فقد يصير منشأ لطرح الأمارات النقليّة الظنيّة ، لعدم حصول الظنّ له منها بالحكم.
وأوجب من ذلك ترك الخوض في المطالب العقليّة النظريّة لإدراك ما يتعلّق باصول الدين فإنّه تعريض للهلاك الدائم والعذاب الخالد ، وقد اشير إلى ذلك عند النهي عن الخوض في مسألة القضاء والقدر ، وعند نهي بعض أصحابهم عليهمالسلام ، عن المجادلة في المسائل الكلاميّة ، لكنّ الظاهر من بعض تلك الأخبار أنّ الوجه في النهي عن الأخير عدم الاطمئنان بمهارة الشخص المنهيّ في المجادلة ، فيصير مفحما عند المخالفين ، ويوجب ذلك
____________________________________
(الّا أنّ مرجع الكل إلى التوبيخ على مراجعة العقل في استنباط الأحكام) مناطا ، يعني أن الرواية وإن كانت ظاهرة في توبيخ أبان على ردّ الرواية في العراق ، أو على تعجّبه حين سمع من الإمام عليهالسلام حكما مخالفا لمقتضى القياس الّا أن مرجع الكل إلى التوبيخ على مراجعة العقل في استنباط مناط الحكم ، فالمستفاد منها هو عدم جواز مراجعة العقل في استنباط مناطات الأحكام.
(وأوجب من ذلك ترك الخوض في المطالب العقلية النظرية لإدراك ما يتعلّق باصول الدين).
يعني : أوجب من ترك الخوض في العقليات لاستنباط الأحكام مناطا هو ترك الخوض فيها لإدراك ما يتعلّق باصول الدين ، ووجه الأوجبية أن القصور في الحكم الشرعي يوجب المعصية.
وأما القصور في اصول الدين والامور الاعتقادية ربّما يوجب الكفر ، كما أشار اليه المصنّف رحمهالله بقوله : (فإنّه تعريض للهلاك الدائم).
و (لكن الظاهر من بعض تلك الأخبار) الناهية عن المجادلة (أنّ الوجه في النهي عن الأخير) يعني : أنّ الوجه فى نهي الصحابي عن المجادلة ليس من أجل أنّ الخوض في المقدّمات العقلية يوجب الهلاك ، بل الوجه هو عدم الاطمئنان بمهارة الشخص المنهى في