وإن أريد عدم اعتباره في مقامات يعتبر القطع فيها من حيث الكاشفيّة والطريقيّة إلى الواقع ، فإن اريد بذلك أنّه حين قطعه كالشاكّ ، فلا شكّ في أنّ أحكام الشاكّ وغير العالم لا تجري في حقّه ، وكيف يحكم على القاطع بالتكليف بالرجوع إلى ما دلّ على عدم الوجوب عند عدم العلم ، والقاطع بانّه صلّى ثلاثا بالبناء على أنّه صلّى أربعا ، ونحو ذلك؟!
وإن اريد بذلك وجوب ردعه عن قطعه وتنزيله إلى الشكّ أو تنبيهه على مرضه ليرتدع بنفسه ولو بأن يقال له : إنّ الله سبحانه لا يريد منك الواقع ، لو فرض عدم تفطّنه ، بأنّ الله يريد الواقع منه ومن كل أحد ، فهو حقّ لكنّه يدخل في باب الإرشاد ، ولا يختصّ بالقطّاع بل بكلّ من قطع بما يقطع بخطئه فيه من الأحكام الشرعيّة والموضوعات الخارجيّة المتعلّقة بحفظ النفوس والأعراض ، بل الأموال في الجملة.
____________________________________
(فإن اريد بذلك أنّه حين قطعه كالشاك) يعني : يكون قطع القطّاع بمنزلة الشك ، فيجري عليه حكم الشاك كالبناء على الأكثر والرجوع إلى البراءة ، وهذا الاحتمال لا يصح كما أشار المصنّف رحمهالله إليه حيث قال : (فلا شكّ في أنّ أحكام الشاك وغير العالم لا تجري في حقّه) لأن القطّاع لا يحتمل الخلاف أصلا ، وليس بشاك وجدانا ، فكيف يرجع إلى البراءة؟!
ثم أشار المصنّف رحمهالله إلى الاحتمال الثاني بقوله : (وإن اريد بذلك وجوب ردعه عن قطعه ... إلى قوله فهو حقّ) في نفسه ، ولكنه لا يدل على عدم حجّية قطع القطّاع ، إذ هذا الردع ليس من باب عدم حجّية قطع القطّاع ، بل يكون من باب الإرشاد الذي لا يختصّ بالقطّاع ، بل يجب إرشاد كل جاهل خاطئ وإن لم يكن قطّاعا.
(بل بكلّ من قطع بما يقطع بخطئه فيه من الأحكام الشرعية) كمن قطع بحلّية الربا ، يجب ردعه عن العمل بقطعه (والموضوعات الخارجية المتعلّقة بحفظ النفوس) كمن قطع بوجوب قتل مؤمن بعقيدة أنه كافر ، يجب ردعه عن العمل بهذا القطع (والأعراض) مثل من قطع بأن المرأة التي يريد نكاحها ليست من المحارم مع أنّها كانت اخته من الرضاعة ، (بل الأموال في الجملة) المقصود من تقييد الأموال بكلمة في الجملة ، هو الاحتراز عن المحقّرات كحبة من الحنطة ، فلا يجب فيها الإرشاد ، فيجري الإرشاد في الأحكام الشرعية الكلية ، والموضوعات الخارجية سواء كانت متعلّقة بحفظ النفوس أو الأعراض ، أو الأموال.