وأمّا في ما عدا ذلك ممّا يتعلّق بحقوق الله سبحانه ، فلا دليل على وجوب الردع في القطّاع ، كما لا دليل عليه في غيره ، ولو بني على وجوب ذلك في حقوق الله سبحانه ، من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما هو ظاهر بعض النصوص والفتاوى ، لم يفرّق ـ أيضا ـ بين القطّاع وغيره.
وإن اريد بذلك أنّه بعد انكشاف الواقع لا يجزي ما أتى به على طبق قطعه ، فهو ـ أيضا ـ حقّ في الجملة ، لأنّ المكلّف إن كان تكليفه حين العمل مجرّد الواقع من دون مدخليّة
____________________________________
(وأمّا في ما عدا ذلك) يعني : فيما عدا ما ذكر من الأحكام الشرعية الكلية (ممّا يتعلّق بحقوق الله سبحانه) حكما كان ، مثل : من قطع بوجوب الدعاء مع كونه غير واجب ، أو موضوعا : كمن قطع بكون مائع ماء مع كونه خمرا ، فلا دليل على وجوب الردع في القطّاع وغيره لأن وجوب الإرشاد لا يجري الّا في الأحكام الشرعية الكليّة وحقوق الناس.
نعم ، يمكن أن يقال بوجوب الردع من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والفرق بين الإرشاد وبين الأمر بالمعروف هو أنّ الإرشاد هو إعلام الجاهل الخاطئ ولو كان جاهلا بالجهل المركّب ، ومورده هو الأحكام والموضوعات المتعلّقة بحقوق الناس ، كما تقدم ذكره ، والأمر بالمعروف هو حمل العاصي العالم على ترك العصيان ، ومورده يشمل الحقوق جميعا ، سواء كان من حقوق الناس كمن يأكل مال اليتيم مع العلم بالحرمة ، فيقال له : لا تأكل مال اليتيم تدخل النار ، أو من حقوق الله كمن يترك الصوم ، فيقال له : من ترك الصوم يدخل النار.
والحاصل لو قلنا بوجوب ردع القطّاع من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلا يفرّق ـ أيضا ـ بين القطّاع وغيره ، فكما يجب ردعه يجب ردع غيره ـ أيضا ـ من باب الأمر بالمعروف.
ثم أشار المصنّف رحمهالله إلى الاحتمال الثالث ، حيث قال :
(وإن اريد بذلك أنّه بعد انكشاف الواقع لا يجزي ما أتى به على طبق قطعه ، فهو ـ أيضا ـ حق في الجملة) أي : فيما إذا كان القطع مأخوذا في الموضوع ، كما ذكره المصنّف رحمهالله.
وبيان ذلك : إن هذا القطع الذي انكشف خلافه ولا يجزي ما أتى على طبقه عن الواقع يمكن أن يكون طريقيا ، ويمكن أن يكون موضوعيا.