فيتوقف تجريده عن شوائب الوهم والألفة والعادة والاحتراز عن الخطأ في الترتيب والفكر ، وهذه الأمور لا تحصل إلاّ بإرشاد إمام لأن كلّ فرقة من طوائف بني آدم يثبتون بعقولهم أشياء وينكرون أشياء أخرى ، وهم متخالفون بينهم بالأصول والفروع ولا يمكن الترجيح بالعقل فقط ، فالتمسك إذن بقول الإمام ومع ذلك لا يمكن إثبات الأمور الدينية بالعقل الصرف لأنه عاجز عن معرفتها تفصيلا بالإجماع ، نعم يمكنه معرفتها إذا كان مستمدا من الشريعة ».
المؤلف : أولا : « قوله : إما في الشرعيات فلا يصح التمسك بالعقل عند هذه الفرقة لأنهم منكرون حجيّة القياس ».
فيقال فيه : إن حكم العقل لا يدور وجودا وعدما مدار القياس حتى يكون إنكار حجيّته فيه إبطالا لحكم العقل مطلقا ، أما القياس فهو كالظن إن لم يكن دونه ، فلا يحكم بحجيّته في الشرعيات مطلقا من جهات مضافا إلى ما تقدم منافي بطلانه.
الأولى : فلاستلزامه تحليل الحرام وتحريم الحلال ، إذ لا يؤمن أن يكون ما ثبت به الحلية حراما وبالعكس ، فاعتبار القياس ليس من حكمه في شيء حتى يكون إنكاره إنكارا لحكمه كما يزعم الخصم ، وإنّما التمسك به كان لأجل هوى النفس ، لأن العقل حاكم بقبحه فكيف يحكم بحجيّة ما حكم بقبحه ، وهو لا يتردد ولا يشك إطلاقا بعد إدراك مناطه.
الثانية : لو جاز العمل بالقياس في اقتناص الشرعيات من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لجاز العمل به في اقتناصها من الله تعالى مباشرة لاتحاد المناط فيهما ، بل اقتناصها من الله أولى والثاني معلوم بالضرورة بطلانه إذ يلزم منه بطلان بعثة الأنبياء عليهمالسلام إذ ما الفائدة فيها بعد جواز استلهام الأحكام من المصدر الحقيقي والينبوع الأصلي بالقياس وهو باطل قطعا وذلك مثله باطل.
الثالثة : إنّ حرمة العمل بالقياس من البديهيات الأولية عند عوام النّاس فضلا عن العلماء ، وذلك فإن من القبيح عند العقلاء أن يتكلف العبد من قبل مولاه بما