يعرف أن الله أمره لأنه غير عارف به كان أمره مستحيلا وإلاّ كان تكليفا بما لا يطاق ، وكلّ ذلك معلوم بالبداهة بطلانه.
ثم إنّ الآلوسي لم يقرر دليل الشيعة بتمامه ، على أن معرفة الله تعالى واجبة بالعقل وممتنعة بالسّمع ، وإنما ارتكب ذلك التدليس لعلمه بأنه لا يستطيع بتقريره له بتمامه أن يقوم بردّه وتفنيده ، ولا يمكنه تحريفه لجهله بمرماه وعدم إحاطته بمعناه لقصور باعه وقلّة اطلاعه ، لذا تراه أعرض عن ذكر أدلّتهم القالعة لخلطه ولغطه وأورد آيات لا صلة بينها وبين وجوب النّظر سواء أكان عقليا أم شرعيا ، بل هي أوضح دليل على ارتباكه وإزجاء بضاعته وجهله بمثل هذه المسائل العويصة والأمور الصعبة التي يقصر إدراكه عن نيل واحدة منها.
أما كون معرفة الله مستفادة من العقل ، وأنّ مجيء السّمع بقوله تعالى : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ ) [ محمد : ١٩ ] مؤكد لحكومته في مورده فيدلّ عليه وجهان :
الأول : أنّ شكر المنعم واجب بالضرورة ، ولا شكّ في أنّ آثار نعمه على النّاس أظهر من الشّمس وأبين من الأمس فيجب شكر فاعلها ، وشكره لا يحصل إلاّ بمعرفته.
الثاني : إنّ معرفة الله دافعة للخوف الحاصل من التردد والاختلاف عند النّظر في مسألة وجود الله تعالى ، وإنّ لهذه النّعم الظّاهرة منعما الأمر الّذي لا يشكّ اثنان من أهل المذاهب والأديان في كونه من أبرز أفراد محلّ الاختلاف بينهم ، ولا شكّ في أنّ دفع الخوف واجب فطري وهو لا يتحقق إلاّ بالمعرفة ، فحينئذ تكون المعرفة واجبة بالضرورة.
ثالثا : إنّ ما ذكره الآلوسي من الآيات لا ينطبق شيء منها على موضوع وجوب النظر وإنما هي من الشواهد للشيعة على بطلان مذهب هذا الخصم ـ لو كان يشعر ـ أما قوله تعالى : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ ) فنقول فيه :