بإنكار التحسين والتقبيح العقليّين الخلوّ المحال المعلوم بالبداهة بطلانه ، وذلك لأن العقل لا يحكم بحسن شيء ولا بقبحه مطلقا ـ على حدّ زعمه ـ والشيء بلحاظ ما يعرض عليه إما أن يكون حسنا أو قبيحا ، ولا يعقل أن يكون بذلك اللّحاظ لا حسنا ولا قبيحا ، كضرب اليتيم مثلا مطلقا سواء أكان ظلما أم تأديبا ، وسواء أكان هناك شرع أم لا ليس بقبيح ولا حسن وهو محال عقلا ، لأنه على سبيل المنفصلة الحقيقية إما قبيح وإما حسن فتأمل.
الثالث : إن اتصاف ذوات الأفعال بصفتين متضادتين بنحو الاقتضاء لا يستلزم صدور أثرين عن مؤثر واحد لعدم كون اقتضاء الذات لهما موجبة تامة في التأثير لتوقف تأثير المقتضى على عدم المانع وثبوت الشّرط ، لأن تأثير العلّة في معلولها مطلقا منوط بتحقق شروطها ومع فقدها لأحد الشروط المعتبرة في التأثير طبعا تنتفي العلّة الموجبة ، وشروط العلّة ثلاثة : ١ ـ وجود المقتضى. ٢ ـ عدم المانع لتأثير المقتضي بمقتض آخر ، ٣ ـ الشرط لتأثير المقتضي وهو قابلية الموضوع لتأثير المقتضى فيه ، فإذا تحققت هذه الشروط وتوفرت فيه تحققت الموجبة في التأثير وإلاّ فلا ، والمقام من هذا القبيل فلأن كون الذّات مقتضية لهما معا فمع قطع النظر عن كون ذلك باعتبارين موجبين لهما كما تقدم لا يلزم منه صدور أثرين متضادين من مؤثر واحد في آن واحد ؛ لأن تأثير أحد المقتضيّين بنحو الموجبة التّامة هو مانع من تأثير المقتضى في الآخر قطعا.
وبعبارة أخرى أن الذّات المقتضية لأحدهما خاصة تكون علّة موجبة في التأثير فتمنع من تأثيره المقتضي في الآخر فيكون القوي من المقتضيّين في التأثير مانع من تأثير الضعيف ، وذلك ما لو فرضنا أنّ العقل قد أدرك حسن شيء لجهة اقتضت حسنة فيكون موجبة تامّة للحكم بحسنه ، وهذا ما يمنع علّة الحكم بقبحه لعدم توفر شروطه ومجرد الاقتضاء لا يكون موجبة تامّة في التأثير لعدم تحقق شروطه كما ألمعنا.
ومن ذلك تعرف فساد قول الآلوسي : ( وإن كانت الذات مقتضية لأحدهما مطلقا لزم تخلّف المعلوم عن العلّة الموجبة في الآخر ) لأن التخلّف الباطل إذا