في وجوب الإمامة
قال الآلوسي ص : (٨١) : « الباب الخامس في الإمامة إنّ أوّل ما اختلف فيه من مسائل هذا الباب هو كون نصب الإمام واجبا على العباد أو على الله ، فأهل السنّة على الأول والشيعة على الثاني والفطرة شاهدة للأول ، إذ كلّ فرقة تقرر لأنفسهم رئيسا بينهم وكذا الشرع ، إذ الشارع أوضح شرائط الإمام وأوصافه ولوازمه بوجه كلّي كما هو شأنه في الأمور الجعلية كالنكاح ولوازمه ، وأيضا لا معنى للوجوب عليه تعالى بل هو مناف للألوهية ، وأيضا كلّ ما يتعلّق بوجود الرئيس العام من أمور المكلّفين من إقامة الحدود على أحد واجب عليه.
ألا ترى أن الوضوء وتطهير الثوب وستر العورة واجب على المصلّي لا عليه تعالى ، وأيضا إن تأملنا علمنا أن نصب الإمام من قبل الباري يتضمن مفاسد كثيرة لأن آراء العالم مختلفة وأهواءهم متفاوتة ، ففي تعيين رجل لتمام العالم في جميع الأزمنة إلى منتهى بقاء الدنيا إيجاب لتهييج الفتن ، فمع هذا قولهم نصب الإمام لطف في غاية السّفاهة يضحك عليه ، إذ لو كان لطفا لكان بالتأيّيد والإظهار لا بغلبة المخالفين والإنتصار ، أجاب عنه بعض الإمامية : بأن وجود الإمام لطف ونصرته وتمكينه لطف آخر ، وعدم تصرف الأئمة إنما هو من فساد العباد وكثرة الفساد فإنهم خوفوهم ومنعوهم ، وإذا ترك الناس نصرتهم بسوء اختيارهم فلا يلزم قباحة في كونه واجبا عليه تعالى ، والاستتار والخوف من سنن الأنبياء فقد اختفى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في الغار خوفا من الكفار ففيه غفلة عن المقدمات المأخوذة في الاعتراض ، إذ المعترض يقول الوجوب بشرط النصرة لطف وبدونه متضمن لمفاسد ، فالواجب التعرض لدفع لزوم المفاسد ولم يتعرض له كما لا يخفى ».