هم ما أسماهم بأهل الحلّ والعقد ، وكم من فرق بين إسناد الجعل إليه تعالى لهم كما هو صريح الآية وبين إسناده إلى النّاس الّذي تأباه الآية ولا تفيده إطلاقا ، بل في الآية دلالة على المنع من جعل النّاس ، وأنه ليس من وظائفهم وإنما هو من وظائفه تعالى وحده.
أما الثانية : فصريحة في أن الإرادة من قبله والجعل منه ، وما قال فيها وأوكلنا إرادة جعلهم من الناس والإرادة المقرونة بالمنّة المسندة إليه تعالى في الآية دلالة على وقوع الفعل للمراد ، فيتعيّن إرادته منه لا من سواه لا سيّما إذا لاحظنا اقتران إرادته تعالى بالمنّة فإن ذلك لا يصح من غيره.
فالآلوسي أورد الآيتين وهو يحسب أنهما دليلان له على إلزام خصمه دون أن يهتدى إلى أنهما دليلان لخصمه على فساد مذهبه ، ولو كان من الّذين يفهمون معناهما ويفهمون أنهما دلائل لخصمه عليه لا له لكفّ عن إيرادهما ، إلاّ أنه لم يزل هو وأخوه من الّذين : ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ ) [ البقرة : ١٧ ].
وأما قوله : ( ولم يكن في تلك الفرق نص ) فمردود :
بأن ظاهر الآية أن جعل الأئمة من قبله تعالى لا من سواه ، وإذا كان الأمر على ما ذكرنا وجب أن يكون المجعول معصوما قطعا لاستحالة أن يكون المجعول من قبله تعالى غير معصوم ، فإذا كان الجعل الإلهي لا يتعلق إلاّ بالمعصوم وإرادته لا تتعلق بغيره لعدم أهلية غير المعصوم لتعلق إرادته بنصبه كان من القبيح في أوائل العقول تعلّق الجعل والإرادة من الله تعالى بغيره ، وإذا كانت العصمة من الأمور الخفيّة التي لا يعرفها إلاّ الله دلّ ذلك أبلغ الدلالة على أن التعيين من قبله لا من قبل النّاس مطلقا.
قال الآلوسي ( ص : ٨٥ ) : ( لا يلزم أن يكون الإمام أفضل أهل العصر ، والشيعة على خلاف ذلك وقد علت ردّهم ).