ثامنا : قوله : « إذ المعترض يقول بشرط التصرف والنصرة لطف ».
فيقال فيه : إن اعتبار هذا الشرط في تحقق اللّطف مبنيّ على تجاهل الآلوسي بمعنى اللّطف الّذي تقول به الشيعة ، فإنهم لا يقولون بشرطية النّصرة دائما والغلبة أبدا في تحققه حتّى يلزمون به ، وإنّما معناه عندهم على ما حكاه الخصم نفسه في ص : (٦٣) من كتابه : ( هو ما يقرّب العبد إلى الطاعة ويبعّده عن المعصية ) ولا يخفى حتّى على الأغبياء ، معنى هذه الجملة وهو أن الأمر بما يقرّب العبد إلى الطاعة ليس علّة تامة للاقتراب إلى الطاعة والنهي عما يبعده عن المعصية ليس علّة موجبه لدفعه عن المعصية وابتعاده عنها على وجه لا ينفك ذلك عنه لاستلزامه سلب الاختيار عنه ، وهو خلاف اللّطف عندهم فإنهم لا يريدون من اللّطف غير أن الله تعالى لمّا أوجب على نفسه الرحمة وأوجب عليها هداية النّاس أمرهم بما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة ، ونهاهم عمّا فيه فسادهم وهلاكهم كذلك أيضا ، وقد علموا ذلك كله بواسطة أنبيائه عليهمالسلام وخلفائهم عليهمالسلام فمن أطاع وامتثل كان من المقرّبين الداخلين في جنّات النعيم ، ومن خالفه وعصاه كان من المعذّبين والنازلين في الجحيم.
هذا هو قول الشيعة في اللّطف وهذا ما تعتقده وترى وجوبه ، ولمّا كان في وجود الإمام صلاح العباد والبلاد وهداية النّاس إلى الرشاد ونهيهم عن الفساد في الأرض كان ولا شك في أن نصبه من الرحمة وتعيينه من الهدى بعد الأنبياء عليهمالسلام لئلاّ يضيع أمر دين الله ، وحينئذ فيجب على النّاس إطاعة أمرهم والانتهاء عن نهيهم ، وليس أمرهم ونهيهم من العلل الموجبة لعدم التخلّف وإلاّ لاستلزم الجبر المعلوم بالضرورة من العقل والدين بطلانه ، بل لو كان ذلك موجبة تامة لكان في أمر الله ونهيه أشدّ وهو باطل قطعا ، لذلك تقوم الحجّة بهم لله على النّاس ، فمن أطاعهم كان ناجيا ومن عصاهم وخذلهم وقتلهم على دعوتهم إلى الله كان هالكا وخالدا في العذاب الأليم.