القرآن إساءة يستمر شؤمها سرمدا فهو صاحب الكتاب من خصماء الشيعة وأعدائها الّذين يصرفون محكمات الكتاب عن وجه دلالتها ، ويأخذون في تأويلها بما يوافق أهواءهم وأذواقهم ، وحسبك شاهدا على صدق ما نقول ما جاء به في كتابه من المزاعم التي يتبرأ منها الدين ، وينبذها كلّ ذي عقل سليم بل الفطرة البشرية تأباها كلّ الإباء وتضربها بيد عنيفة في وجهه.
الثاني عشر : قوله : « وفي آية لا تدركه الأبصار نفي للإدراك الّذي بمعنى الإحاطة في اللّغة لا نفي الرؤية ».
فيقال فيه : ليس الإدراك بالبصر لغة بمعنى الإحاطة بجوانب المرئي ـ كما يزعم الخصم ـ وإنما أصل معناه كما نصّ عليه أهل اللّغة بمعنى النيل والوصول ، ولكن ليس في هذا ما يدل على أن الإدراك بالبصر المنفي في صريح الآية بمعنى الرؤية على وجه الإحاطة بجوانب المرئي ، كما يقول الآلوسي الّذي تلقى هذا ونحوه من المتقدمين عليه دون أن يتفطن إلى وضوح بطلانه ، وذلك لأن الإدراك بالبصر المنفي في الآية هو عين الرؤية بالبصر ولا يغايره إلاّ لفظا فهما واحدا مفهوما ومعنى.
الثالث عشر : قوله : « فهما متباينان في الحقيقة وبملاحظة إسناده إلى الأبصار صار بوجه أخص منها ».
فيقال فيه : إنه إن أراد أن الإدراك بالبصر المنفي في الآية مباين للرؤية بالبصر فقد عرفت فساده ، على أن البصر جسم كثيف محدود فليس من الممكن المعقول أن يرى اللّطيف الّذي ليس له حدّ ، فقوله تعالى وهو اللّطيف الخبير آية ثانية على أنه لا تراه العيون الكثيفة.
وإن أراد أنهما متباينان في نفسيهما فمع خروج ذلك عن مورد الآية فاسد أيضا ، لأن النسبة بينهما أيضا عموم وخصوص من وجه لا نسبة التباين ، فالمتنازع فيه أن الإدراك بالبصر الّذي هو المنفي في صريح الآية هو الرؤية بالبصر أولا لا