ثم إن الاستدلال بالأولوية جائز هاهنا ولا ينتقض بما أورده ، لخروجه عن مورد الأولوية بالدليل القاطع لحكمه فيه لولاه لكان محكوما كذلك ولا محذور فيه ، وهب جدلا أن ذلك من القياس فما يجديه نفعا لوجوب الاقتصار على ما ثبت موضوعه بالدليل ولا يتعدى إلى غيره مطلقا ، وليس هذا من العمل بالقياس كما توهمه الآلوسي ، وإنما هو من العمل بالدليل الموافق للقياس في مورده وهو واضح لا غبار عليه.
وأما قوله : « وأما دلائل تجويز القياس فمذكورة في علم الأصول ».
فيقال فيه : لو كان الدليل على تجويزه نصوص القرآن فذلك ما نتلقاه بالقبول والإذعان ، وكذلك السنّة المتفق عليها بين الفريقين ، أما إذا كان الدليل على تجويزه هو القياس والاستحسان والآراء الفاسدة التي أدلوا بها في أصولهم فذلك لا يصلح أن يكون دليلا على إثبات فتيل فضلا من أن يكون دليلا على إثبات اعتبار ما به تثبت الأحكام الشرعية ، على أن صريح القرآن قاض بعدم حجيّته ، وفي القرآن : ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) [ يونس : ٣٦ ] مطلقا أصلا كان أو فرعا ، وقال تعالى : ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) [ الأنعام : ١١٦ ] داخل في منطوقها ولا مخرج له ، وقال تعالى : ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) [ الإسراء : ٣٦ ] والقياس ليس بعلم قطعا فهو مشمول للآية ، وقال تعالى : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ ) [ الحاقة : ٤٤ ـ ٤٦ ] ولا ريب في أن القياس من التقوّل عليه تعالى فهو داخل في منطوق الآية ، وقال تعالى : ( آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) [ يونس : ٥٩ ].
ولا شك في أن الله تعالى لم يأذن بالقياس في دينه لكماله على عهد نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بواسطة الوحي ولا شيء من الوحي بقياس ، فبطل أن يكون القياس منه ، وقال تعالى مخاطبا نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ