أما كونهم منتصرين على العباد دائما وظاهرين عليهم أبدا وقاهرين لهم على فعل الطاعة وترك المعصية التي أناطها الله تعالى بالاختيار فلا شيء منه بمأخوذ في مفهوم اللّطف إطلاقا ، بل القهر والجبر على ذلك خلاف اللّطف وخلاف الرحمة والمنّة عليهم وهو قبيح منزّه عنه ويستحيل وقوعه منه ولا يجوز نسبته إليه مطلقا ، كما أن اشتراط التصرف دائما والانتصار والظهور أبدا في مفهومه موجب لأكبر المفاسد وأعظمها المغالاة فيهم واتخاذهم آلهة من دون الله ، لأنهم إذا كانوا ظاهرين أبدا ومنتصرين دائما بما أعطاهم الله من المعجزات أيقنوا أنهم أرباب وآلهة ، وليس هذا من اللّطف في شيء.
ولقد فات الآلوسي أن يستمع إلى قول الشاعر العربي :
ولو أنّهم فيما لهم من معاجز |
|
على خصمهم طول المدى لهم النّصر |
لغالى بهم كلّ الأنام وأيقنوا |
|
بأنّهم الأرباب والتبس الأمر |
لذلك طورا ظافرين تراهم |
|
وآخر فيهم ينشب النّاب والظفر |
تاسعا : بقوله : « إذا لم يكن التأييد في البين والإنتصار أبدا لم يكن لطفا ».
فيقال فيه : إن أراد أن إرسال الأنبياء عليهمالسلام ونصب الخلفاء بعدهم يهدون العباد إلى ـ الحقّ وينهونهم عن الضّلال ليس بلطف من الله عليهم ولا رحمة لهم لزمه إن يقول أن الله تعالى بذلك كلّه كان لاعبا عابثا ، لأن ذلك إن لم يكن لطفا ورحمة فيما بقي إلاّ أن يكون عبثا ونقمة ، وإن أراد أنه ليس بلطف ولا رحمة للأنبياء عليهمالسلام والأئمة لأنهم مقهورون ومغلوبون من قبل أعدائهم ومخالفيهم وغير منتصرين على خصمائهم وغير مؤيدين دائما لزم الآلوسي أن يقول إنّ الله تعالى أراد بذلك أن ينتقم من أنبيائه وخلفائهم عليهمالسلام وما أراد لهم الرحمة وما كان لطيفا بهم ، وأنه لو كان يريد لهم الرحمة أو اللّطف لجعلهم منصورين أبدا وغالبين دائما كما يزعم الخصم الّذي يلقي كلامه وهو لا يدري أو يدري بما ينطوي عليه من الطعن في الله والكفر به.