ونحوها من الآيات القاضية باستحالة ذلك منه ، وإذا جاز عليه أن يخلّد العبد في النار من غير موجب ولا عصيان لم يكن على زعم الخصم عادلا حكيما بل يكون ـ والعياذ بالله ـ جائرا ، تعالى الله عمّا يصفون.
ثم إذا كان لا يجوز على الله تعالى أن يفعل الألم لغرض ولا لمصلحة تعود على العبد بأكبر النفع ـ كما يزعم الخصوم ـ لزمهم على ذلك أمور ممتنعة ومحاذير قبيحة.
الأول : يلزمهم أن ينسبوا إلى الله تعالى فعل العبث ولا معنى للعابث اللاّعب غير أنّه يفعل لا لغرض ولا مصلحة ، وقد حكم القرآن بفساد هذه العقيدة ، فقال تعالى : ( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) [ الدخان : ٣٨ ] وقال تعالى : ( رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً ) [ آل عمران : ١٩١ ] ولا شك في كون الفعل باطلا إذا لم يكن لفاعله غرض فيه ، وليس الغرض عائدا إليه لكي يلزم منه استكماله به وإلاّ لزم استكماله بوجوب الشّكر له تعالى في قوله : ( اشْكُرْ لِي ) [ لقمان : ١٤ ] وقوله تعالى : ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) [ إبراهيم : ٧ ] فيكون هو تعالى مكملا لوجود ذلك الفعل ولا يشك من له عقل في أن الغرض كالإحسان ونحوه أولى وأرجح عند الله تعالى من عدمه والأنفع أرجح في نفس الأمر وهو عالم قطعا بأرجحيته في الواقع ، فلو انعكس الأمر لزم عدم علمه بكونه أنفع فيكون نقصا فيه تعالى عنه ، على أنه من الجائز أن يكون فعله لغرض يعود إليه ولا يلزم أن يكون نقصا فيه قبل حصوله لإمكان أن يكون حصول ذلك الغرض في أمثال تلك الأزمان كمالا فلا يلزم منه أن يكون الواجب قبل حصوله ناقصا ولا أن يكون خاليا عن صفة الكمال ، بل اللاّزم أن يكون خاليا عن شيء لم يكن كمالا إلى ذلك الوقت.
ثم إن احتياج الفاعل في الفاعلية إلى الغير لا يوجب النقص فيه لأنه تعالى محتاج في اتصافه بالصّفات الفعلية إلى مخلوقاته ، فإن كونه خالقا يحتاج إلى مخلوق ورازقا إلى مرزوق وهكذا الحال في جميع صفات أفعاله التي يدخلها التخصيص في حال ولا يمكن سلبها عنه في كلّ حال ، وليس في الإمكان أن