عن الحقائق للوقوف على الحقيقة والصّواب ، وليس من سمات من يريد تهذيب النفوس وتحلّيها بالعقائد الحقّة ورفع ما يختلج في أذهان النّاس من الشك والشبهة ، وإنّما هو غش وتدليس لا يرتكبهما إلاّ من يريد إماتة الدين والإتيان على آخر نفس من أنفاس الحقّ واليقين ، وقديما
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( ليس منّا من غشّنا ) (١).
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( ليس منّا من غشّ مسلما ).
وها أنا ذا أيها القارئ أحرر لك ذروة من البراهين على كونهما عقليّين على سبيل الإجمال مراعاة للاختصار ، ليتجلّى لك واضحا فساد مذهب الآلوسي وانهدامه من أساسه ، ثم نعرّج بعد ذلك على تزييف مزاعمه الزائفة :
الأول : إنّ كون الحسن والقبح شرعيّين يعني ليس للعقل أن يمدح أو يذم إطلاقا ، ويلزم هذا القول إنكار كلّ ما هو بديهي ومعلوم عند جميع العقلاء من حسن الصّدق النافع والمدح عليه ، وقبح الكذب الضّار والذم عليه ، ولا ينكر هذا إلاّ السّفسطائيون الّذين ينكرون بياض النّهار وسواد اللّيل.
الثاني : ما هو ثابت بالعيان ويحكم به الوجدان من أن العاقل المختار الّذي لم يسمع شيئا عن الشّرائع ، ولم يعلم شيئا من أحكامها ، بل نشأ في إحدى البوادي الخالية عن كلّ شريعة فخيّروه بين أن يصدق في خبره ويمنح دينارا أو يكذب فيه ويعطى دينارا أيضا ، فلا شك في أنه يرجح جانب الصّدق على الكذب ، ولو لا حكم عقله بقبح الكذب وترتب الذم عليه ، وحسن الصّدق والمدح عليه لما فرّق بين الموضوعين ـ موضوع الصدق وموضوع الكذب ـ وكيف يا ترى يختار الصّدق دائما مع تساويهما في الداعي لو لا حكومة عقله بحسن الأول وقبح الثاني.
هذا بخلاف القول بأنّهما شرعيان ، وأنّ ما حسّنه الشّارع فهو الحسن ، وما قبّحه فهو القبيح ، سواء أكان قبيحا في نفسه وأمر بحسنه أو حسنا في نفسه وأمر
__________________
(١) أخرجه السيوطي في جامعة الصغيرة ص : (١١٧) من جزئه الثاني وصححه.