المؤلف : أولا : قوله : والفطرة شاهدة ، إذ كلّ فرقة تقرر لأنفسهم رئيسا ».
فيقال فيه : لقد التقط الآلوسي هذه المقالة من بعض من تقدمه من أسلافه دون أن يفكر في فساده لأنه جاهل بمعنى الإمامة ولا يدري ما هي ، لذا تراه قاس ما تفعله كلّ فرقة من تقرير رئيس لأنفسهم على الإمامة العامّة والحكومة المطلقة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولكن كان عليه قبل هذا القياس أن يسأل العلماء عن الفرق بين الخلافة والجلافة ، وبين ما يفعله الله تعالى وما يفعله الناس ليكون على بصيرة من أمره ، فإن الناس غالبا ما يختارون لأنفسهم رئيسا جاهلا وفاسقا فاجرا ، وقد يختارون الرضيع والطفل الصغير لأنه ابن الرئيس الهالك أو ابن عمه أو أقرب الناس إليه ، وقد يختارون زوجة الرئيس الميّت وهكذا ، فلا يفرّقون بين الأحمق الجاهل وبين الطفل الصغير في اختياره رئيسا عليهم ، وأين هذا من خلافة النبوّة ونيابة الرسالة حتى يصح قياسه عليه.
أما الخلافة : فهي الرئاسة العامّة والزعامة الكبرى في أمور الدين والدنيا ، وهي النيابة عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في إقامة الحدود ، ونشر الأحكام ، ودرء الفساد ، وحفظ الشريعة ، والانتصاف للمظلوم ، وقطع دابر الشغب ، واستئصال شأفة الفتن وغير ذلك من فوائدها اللاّزمة على الوجه الشرعي والقانوني الإلهي.
وبالضرورة أن هذه الفوائد المعتبرة في الإمام شرعا لا يمكن معرفتها لكلّ أحد لأنها عبارة أخرى عن العصمة التي هي شرط أكيد في الإمام عند العقلاء ، وهي من الأمور الخفية التي لا يطّلع عليها إلاّ الله وليست هي من وظائف الناس ، فأي فطرة تستطيع إدراكها والإحاطة بها والوقوف عليها لتعيّنه في تقرير مصيرها في هذه الحياة وما يتصل بحياة الآخرة.
فإذا فقد الشخص واحدا من هذه الشروط بأن كان جاهلا بالأحكام وفاسقا متعدّ لحدود الله ، أو كان غير معصوم من السّهو والنسيان والخطأ والعصيان فلا