وأما الإحتجاج بقوله تعالى : ( وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ) [ الأحزاب : ٣٢ ] ففاسد كفساد أوله وذلك لأنه آية على تفضيل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وتعظيمه وليس فيه ما يدلّ على تفضيلهنّ وتعظيمهنّ وكونهنّ أمهات المؤمنين لا يمنع من عدم إيمانهن فضلا عن عدم عصمتهن ، إذ لا ملازمة بين كونهن أمهات المؤمنين وبين عصمتهن أو إيمانهن ، فإن أم المؤمن قد تكون غير مؤمنة فضلا عن كونها غير معصومة.
وأما قوله : ويدل على ذلك قوله تعالى : ( يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ ) [ الأحزاب : ٣٢ ] فمعطوف بفساده على فساد قوله الأول ، وذلك لأنه مشروط بالتقوى كما يقتضيه قوله تعالى في آخر الآية : ( إِنِ اتَّقَيْتُنَ ) فالشرط بعد لم يحصل فالمشروط مثله لم يحصل ، فأيّ فضيلة لهن في هذا ولا دليل لخصومنا على حصوله أصلا وفرعا ، ولو سلّمنا جدلا حصوله فلا يدلّ على شيء من العصمة مطلقا.
وأما التدليل بقوله تعالى : ( إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ) [ التحريم ٤ ] على تفضيلهن فمعكوس على هذا المستدل لوضوح ظهوره في سبق العصيان منهما كما يقتضيه قوله : ( فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ) وأما صدر الآية فلا يشعر بشيء من التوبة منهما البتّة ، بل فيه دلالة صريحة على عدم تحققها بقرينة المقابلة من قوله تعالى : ( وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ ) [ التحريم : ٤ ] وهما أم المؤمنين عائشة وحفصة (رض) كما في الدر المنثور وغيره من تفاسير أعلام أهل السنّة في تفسير هذه الآية من سورة التحريم ، وأخرجه البخاري في بابين من أبواب صحيحه ففي ص : (٤٧) من جزئه الثاني في باب إماطة الأذى ، وفي ص : (١٧٥) من جزئه الثالث في باب غيرة النّساء ووجدهن ، فأين العصمة المزعومة لهن في زعم الخصوم؟ كما أن : ( إن ) الشرطية في علم البيان لا تفيد القطع بالوقوع بل تفيد الشك بوقوع ما بعدها والأصل يقتضى عدمه.