ثالثا : قوله : « وافتتاح كلام جديد مخالف لوظيفة البلاغة ».
فيقال فيه : إنه مردود من وجوه :
الأول : إن مجيء آية التطهير في سياق آيات النّساء لو كان مخلاّ بالبلاغة لزم الآلوسي أن يقول بمخالفة البلاغة في كثير من آيات الذكر الحكيم واللاّزم باطل فالملزوم مثله ، وذلك لوجود الاستطراد بين الكثير من كلماته المتناسقة بإيراد جملة أجنبية كما في الآية وفي غيرها ، ومن ذلك قوله تعالى : ( إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ ) [ يوسف : ٢٩ ] فقد استطرد قوله : ( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ) بين كلاميه وهي أجنبية عنهما.
ومنها قوله تعالى فيما حكاه عن بلقيس : ( إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) [ النمل : ٣٤ ـ ٣٥ ] فقوله : ( وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ ) مستطرد من جهة الله تعالى بين كلام بلقيس ، ونحو هذا كثير الوقوع في الكتاب والسنّة وكلام العرب العرباء يضيق المقام عن تعداده ، فما زعمه الآلوسي من أنّ ذلك إخلال لوظيفة البلاغة هو الإخلال الفظيع والتصرف القبيح وصرف لآيات الكتاب العزيز عن معناها بغير دليل.
فآية التطهير جاءت من هذا القبيل معترضة بين آياتها للتنبيه والبيان على شدّة عناية الله تعالى بأهل بيت نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ( عليّ وفاطمة والحسن والحسين ) عليهمالسلام وترغيب أزواج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى العفّة والصلاح والتزام جادّة الصواب ، ولئلا ينال الأربعة ولو من جهتهن لومة لائم.
الثاني : لا خلاف في وقوع الاختلاف في ترتيب نزول الآيات ، وأن ترتيبه لم يكن على حسب ترتيبه في النزول إجماعا وقولا واحدا ، فهناك آيات مدنية مقدمة على آيات نزلت بمكّة ، وذلك حينما جمع الكتاب غير أهله فقدّم وأخّر في