الرُّسُلِ ) [ النّساء : ١٦٥ ] إذ معه لا يحصل الانقياد إليهم والإطاعة لقولهم عليهمالسلام ويكون المخالفون لهم معذورين في مخالفتهم فلا حجّة بعد ذلك تبقى لهم إطلاقا.
والخلاصة في هذا الوجه : أنه إذا كان الحسن والقبح عقليّين فبالبداهة نعلم أن مدرك وجوب النّظر عقلي ، لأن ترك النّظر موجب للخوف على أساس أنّ العاقل يحتمل بغريزة الفطرة أنّ له إلها واجب الإطاعة يؤاخذه إذا جهله ويعذبه إذا ترك النظر في معرفته ، وحينئذ فلا شكّ في كونه دافعا للخوف ، ودفع الخوف حسن واجب فالنظر حسن واجب بالضرورة عقلا ، فالنظر إذا لم يكن موجبا للقطع الّذي يأمن معه المكلّف من العقاب فلا أقلّ من أن يكون موجبا للأمان من جهله ، لذا كان النّظر غاية ما يقدر عليه ، وكان في تركه والإخلال به يحصل الخوف بالضرورة ولا يزول ذلك إلاّ به ، فعلى هذا لو جاء رجل موصوف بالكمال ومعه ما يعجز الإنسان على الإتيان بمثله ، فقال : أنا نبيّ مرسل من عند الله ولديّ من المعجزات ما يشهد بصحة دعواي ، فلا شك في أن من كان له عقل سليم ينقدح في ذهنه الخوف من المخالفة ، ودفع الخوف بديهي أولي واجب عقلا فتصديقه واجب بالضرورة ، وهذا بخلاف ما إذا كانا شرعيّين فيكون وجوب النّظر شرعيا فإنه لا واجب حينئذ إلاّ بعد ثبوت الأمر الشرعي ، وهذا ما يدعو المكلّف إلى أن يقول لمدّعي النبوّة : اثبت لنا إنّك نبي ثم ادعنا إلى امتثال أمرك ولزوم إطاعة قولك فأيّ حجّة تبقى له بعد هذا ، على أنه قد تقدم منّا أن كونه نبيّا يتوقف على الأمر الشرعي بكونه نبيّا ، فلو توقف الأمر بنبوّته على نبوّته لزم الدور المحال فمذهب الآلوسي محال.
التاسع : إن الإنسان العاقل يفرق بفطرته بين من أحسن إليه دائما وبين من أساء إليه دائما ، فيرى حسن المدح للأول والذم للثاني ، وما ذاك إلاّ لحكومة عقله ومن شك في ذلك فقد خولط في عقله وكابر وجدانه وطعن فيه.
قال الآلوسي ص : (٥٣) : ( إنّ العبد غير مستبدّ في إيجاد فعله ، بل أفعاله مخلوقة لله تعالى ، فلا يحكم العقل بالاستقلال على ترتب الثّواب والعقاب ).