وأما قوله : « مع أن طعنهم هذا يعود حينئذ على أهل البيت فإن الزيدية وأهل السنّة يروون القياس عن الأئمة ».
فيقال فيه : إنما يرد الطعن إذا كان ذلك ثابتا في مذهبهم ، وأما إذا كان مخالفا للضروري من دينهم ـ كما هو التحقيق ـ فليس من الطعن عليهم في شيء ، وإنما هو من الطعن على القائلين بتشريعه وهم غيرهم ، وأما قوله : ( وقد قال أبو نصر هبة الله بن الحسين أحد علماء الإمامية بحجيّة القياس ).
فيقال فيه : ليس في علماء الإمامية من يقول بحجّية القياس ولا يصح نسبة ذلك إليهم بحال ، وهو مخالف للضروري من مذهب أئمتهم ، والأخبار عنهم عليهمالسلام في عدم حجيّته متواترة لا يشك فيها اثنان منهم ، وإنما القائلون به هم خصوم الشيعة من المنحرفين عن الوصيّ وآل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذين لا يتحرجون من التقول على الله وتشريع الأحكام في الدين مما ينفيه الشرع القويم.
وأما ما حكاه عن أبي نصر هبة الله ، وزعم أنه من الإمامية ، وأنه قائل بحجيّة القياس فمدخول ؛ بأن الإمامية لا تعرف هذا الرجل وليس هو من علمائهم في شيء ـ إن صح نسبة حجيّة القياس إليه ـ وإنما هو من أكابر علماء خصومهم ، إلاّ أن الأمر قد التبس فيه على الشيخ الآلوسي كما التبس الأمر عليه في غيره فظنّه من أعلام الإمامية ، وأكبر الظن أنه الحافظ الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين المعروف بابن عساكر ، وهو من أعاظم محدّثي أهل السنّة ، ومن أعيان فقهاء الشافعية ، كما في ( ص : ٣٣٥ ) من وفيات الأعيان لابن خلكان من جزئه الأول ، وأيّا كان فلا قائل من الإمامية بحجيّة القياس ، فدونك كتبهم في علم الأصول والفقه فإنهم صرّحوا ببطلانه ، وأن من أقوى العوامل لمحق الدين وإبطال أحكامه وتحليل حرامه وتحريم حلاله هو العمل فيه بالقياس والرأي والاستحسان والإعتبار والظنون التي ما نزل بها القرآن.
وأما قوله : « قد ثبت حجيّة القياس في كتبهم الصحيحة ، فمن ذلك ما رواه أبو جعفر الطوسي في التهذيب ».