وهذه الأحاديث الثلاثة أخرجها مسلم في صحيحه ( ص : ١٢٧ و ١٢٨ ) من جزئه الثاني في باب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن ، فهذه الأحاديث كلّها تفيد فساد ذلك الاعتذار الّذي أدلى به الآلوسي لتصحيح ما قامت به الفئة الباغية وغيرهم من القتال لعليّ عليهالسلام بعد أن حكم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن من مات بعد خروجه على إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، وقد أجمع الفريقان من غير جدال على أنّ عليّا عليهالسلام كان يومئذ هو إمام المقاتلين له والخارجين عليه لا بشبر واحد بل بعشرات الألوف من الأشبار ، وقد جاء التنصيص من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه عهد إلى عليّ عليهالسلام في قتالهم بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( أنت تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي ) (١).
وأما اعتذار أوليائهم عنهم بالاجتهاد وأنه لا إثم عليهم فأشبه باعتذار أولياء إبليس عنه في امتناعه من السّجود لآدم عليهالسلام لأنه وإن بغى وتكبّر لكنّه من المجتهدين مثل القاسطين والناكثين والمارقين ، ولعل جريمة إبليس دون جريمة الفرقتين ، فإن إبليس إنما امتنع من السّجود فخالف أمر الله ولم يسبّ نبيّا ، ولم يقاتل إماما ، ولم يهرق دما لمؤمن ، الأمر الّذي فعله الفرقتان وارتكباه من إراقة دماء الأبرار وسباب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بسباب وصيّه عليّ عليهالسلام بل كيف يصح الاجتهاد ممن لعنه الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذابا مهينا بقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) [ الأحزاب : ٥٧ ] وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هي حديثه الصحيح عند الفريقين : ( من آذى عليّا فقد آذاني ، ومن آذاني فقد
__________________
الرابع عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : ( من خرج عن السّلطان شبرا مات ميتة جاهلية ).
(١) أخرجه الحاكم في مستدركه ( ص : ١٣٩ ) من جزئه الثالث في باب فضائل عليّ عليهالسلام وصححه على شرط البخاري ومسلم ، والمتقي الهندي في منتخب كنز العمال بهامش الجزء الخامس من مسند أحمد بن حنبل ( ص : ٣٩ ) والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ( ص : ٣٤٠ ) من جزئه الثامن ، وغيرهم من حفاظ أهل السنة.