وهو كثير الوقوع في الذكر الحكيم وفي كلام العرب العاربة ، فطروء مثل هذا الاحتمال في الآية موجب لبطلان الاستدلال بها على إرادة العموم.
الثاني : إنّ الاستدلال بالآيات إنّما يصح من عالم عرف معناها وسبر غورها ووقف على عموماتها وفهم مخصصاتها ومقيداتها ، أمّا الّذين لا يعرفون شيئا من ذلك إطلاقا فليس لهم أن يخوضوا في الآيات بغير علم ولا هدى ، وقديما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ).
أما قوله تعالى : ( وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فإنّه صريح الدلالة في تعلق قدرته تعالى بكلّ مقدور ممكن في ذاته دون ما كان ممتنعا ومحالا في ذاته ، فهل يا ترى يصح للخصوم أن يستدلّوا بالآية على تعلّق قدرته بخلق شريك له في الوجود؟ أو هل يا ترى يصح لهم أن يقولوا بتعلّق قدرته تعالى على خلق ذاته؟ فالعموم لو كان موجودا في الآية لوجب تخصيصه بغير ما تقدم ذكره ، فمقتضى الآية تعلّق قدرته بالمقدور وهو الممكن الذاتي فيكون الله تعالى قادرا على جميع المقدورات ، لأنه واجب الوجود بالذات وكلّ ما عداه ممكن الوجود إلاّ ما كان ممتنعا عقلا كما قدّمنا ، ولا شك في أنّ كلّ ممكن يصدر عنه أو يصدر عمّا هو صادر عنه.
قال الآلوسي ص : (٥٩) : « إنّ الله تعالى عالم بكلّ شيء قبل وجوده ـ إلى أن قال ـ : وجماعة من الإثني عشرية من متقدميهم ومتأخريهم منهم مقداد صاحب كنز العرفان ، قالوا : إنّ الله تعالى لا يعلم الجزئيات قبل وقوعها ».
المؤلف : أما ما نسبه إلى بعض الإثني عشرية من القول بأنّ الله تعالى لا يعلم الجزئيات قبل وقوعها فهو كذب وافتراء لا أصل له ، فإنّ الإمامية متفقون جميعا على أنّ الله تعالى عالم بكلّ شيء ، وأن علمه بها حضور حقائقها بأجزائها وجزئياتها بين يديه ، على العكس من علمنا فإنه حضور صورها في أذهاننا ، فكيف يزعم هذا المختلق أنّ الشيعة الإثني عشرية تنفي علم الله تعالى عن الجزئيات قبل وقوعها ، وهم يعتقدون أنّه عالم بكلّ شيء ، وأنّ علمه به قبل وجوده كعلمه به بعد