قال الآلوسي : « وأيضا يعتقدون ـ أي الشيعة ـ وجوب الأصلح عليه وهذا باطل ، ولو كان الأصلح واجبا لما يسلّط الشيطان على بني آدم وهو عدوهم ».
المؤلف : إنّ الله تعالى لم يسلّط الشّيطان ، وإنّما اتبع الشيطان وعبده من تابع هواه فأعمى بصره وبصيرته ، والله تعالى قد حذره ونهاه عن متابعة هواه بقوله تعالى : ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) [ يس : ٦٠ ] وقوله تعالى : ( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ) [ الحجر : ٤٢ ] وقوله تعالى : ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) [ النحل : ٩٩ ـ ١٠٠ ] ونحوها من الآيات الصريحة في وجوب الابتعاد عن مسالكه وحرمة إتباع خطواته.
فالله تعالى لم ينه عن الركون إليه ولم يأمرهم باجتنابه والكفر به إلاّ رحمة بعباده ، وقد كتبها على نفسه وأوجبها على ذاته بذاته ليتميّز الخبيث من الطيّب ، والضالّ من المهتدي ، والمبطل من المحق فكيف يزعم هذا الخرّاص أنّ ذلك خلاف الأصلح دون أن يصغي إلى قول الله تعالى ، ويعرف به فساد ما ذهب إليه.
ثم أن المراد من الأصلح في علمه وحكمته هو أنّه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب ، وقد كتب ذلك على نفسه كما تقدمت الإشارة إليه في غير واحد من آيات كتابه ، وأما تعليل الآلوسي بطلان وجوب الأصلح بتسليط الشيطان على بني آدم وهو عدوّهم ـ على حدّ تعبيره ـ فباطل وغير صحيح بدليل ما تقدم من الآيات الكريمة الدالّة على أنّه ليس له سلطان على الّذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكلون ، وإنّما سلطانه على الّذين اتبعوه وتولّوه والّذين هم به مشركون ، فكان سلطانه عليهم ناشئا عن سوء اختيارهم لقيادته وإتباعهم خطواته فأعطوه المقادة فسلك بهم سبيل الغواية فأوردهم النّار وبئس القرار.
ثم لا يخفى على الفطن أن كلمة الشيطان صفة تنطبق على الإنس والجن لا خصوص الجن كما يعتقده الجهال ، وإن كان الشيطان الأول من الجن وذلك