قال الآلوسي ص : (٥١) : « واعلم أن تحقيق هذه المسألة وبيان الاختلاف فيها يتوقف على تحقيق مسألة الحسن والقبح ، فلا بدّ من بيان ذلك فنقول :
الحسن والقبح يطلقان على ثلاثة معان ، أحدهما : كمال الشيء كالعلم ونقصانه كالجهل ، وثانيهما : ملائمة الطبع كالعدل والعطاء ومنافرته كالظلم ، ويقال لهما بهذا المعنى مصلحة ومفسدة ، وثالثهما : استحقاق المدح والذم والثواب والعقاب عاجلا وآجلا.
ولا نزاع لأحد في كونهما عقليّين بالمعنيّين الأولين ، وإنّما النّزاع في كونهما عقليّين أو شرعيّين بالمعنى الثالث ، فقالت الأشاعرة : إنّ الحسن والقبح بهذا المعنى شرعيان لا غير ؛ بمعنى أن الشرع إذا قال بأن هذا الفعل حسن أي مستحق فاعله للمدح والثواب ، وذلك الفعل قبيح أي مستحق فاعله للذمّ والعقاب ، ولا يوصفان بالحسن والقبح ، إذ لا يحكم العقل مستبدا على الأفعال بهذا المعنى في خطاب الله لعدم كون الجّهة المحسّنة والمقبّحة في أفعال العباد هي عندهم مطلقا لا لذاتها ولا لصفاتها ولا لاعتباراتها فيها ، بل كلّ ما أمر به الشّارع فهو حسن وكلّ ما نهى عنه فهو قبيح ، حتّى لو انعكس الحكم لانعكس الحال كما في النسخ من الوجوب إلى الحرمة فليس للعقل حكم في حسن الأفعال وقبحها ، وإنّما الحسن ما حسّنه الشّارع والقبيح ما قبّحه الشّارع ، وتمسّكوا على ذلك بوجوه ، الأول : إنّ الأفعال كلّها سواء ليس شيء منها في نفسه يقتضي مدح فاعله وذمّه ، لأن اقتضاءها لما ذكر إما أن يكون لذاتها أو لصفاتها أو لاعتبارات فيها ، انفرادا أو اجتماعا ، تعيّينا أو إطلاقا ، فهذه ثمانية احتمالات كلّها باطلة ».
المؤلف : أولا : قوله : « فليس للعقل حكم في حسن الأفعال وقبحها بل الحسن ما حسّنه الشّارع والقبيح ما قبّحه الشارع ».
فيقال فيه : إنّ تلك الوجوه التي اعتمد عليها الآلوسي لنفي الحسن والقبح العقليّين فاسدة جدا ، لأن العقل إذا كان لا يحكم بالحسن والقبح فكيف يا ترى