وجوبها بالعقل ، ولكن قال هذا وهو على غير بصيرة من أمره وكذلك كان حاله في مسائله التي أوردها في كتابه وخالها أدلة لتفنيد أقوال خصمائه ، فإنّه جاء على ذكرها وهو لا يشعر بما في طيّها من المحاذير والممتنعات العقلية الباطلة.
ثم يقال للآلوسي لا ملازمة بين وجوب الشيء في نفسه ولزوم ترتب العقاب عليه مطلقا ، على أنّ في الشريعة أمورا كثيرا محرّمة ولكن لا يترتب على ارتكابها عقاب لإمكان التدارك مطلقا ، فما جاء به من التعليل عليل لا يشفى له غليل.
رابعا : قوله : ( وأما مخالفته للعترة ).
فيقال فيه : إنّ الخبر الّذي أورده الآلوسي وعزاه إلى الشيخ الكليني ـ رضوان الله عليه ـ فمع اضطرابه في نفسه وإجماله لفظا لا دلالة فيه ، على أنّ وجوب المعرفة شرعي من وجوه :
الأول : من الجائز أن يكون المراد من قوله : ( ليس لله على خلقه أن يعرفوا ) ألاّ يعرفوا الأحكام الشرعية الصّادرة منه تعالى التي هي من متفرعات معرفته ، ويشهد لهذا ما في آخر الخبر بقوله : ( ولا للخلق على الله أن يعرّفهم ).
الثاني : أنه إذا لم يجب تعريفهم فلا يجب عليهم معرفته ، لأن وجوب معرفته يتوقف على أمره بالوجوب ـ كما يزعم الآلوسي ـ والخبر صريح في أنه لا يجب عليه أن يعرّفهم مطلقا ، وهذا هو مذهب الأشاعرة القائلين بأنه لا واجب عليه تعالى ولا قبح منه ، وعلى فرض التسليم جدلا فهو من آحاد الخبر لا يجدي الإحتجاج به نفعا ، ولو سلّمنا تنازلا فإن عدم وجوب تعريفهم إطلاقا كما يقتضيه صريح الخبر موجب لبطلان الاستدلال به على وجوب معرفته بالسّمع ، فيتعيّن وجوب معرفته بالعقل فيكون دليلا لنا عليه لا له.
الثالث : أن مفاد الخبر أنّه لا يجب على الخلق معرفته بحقيقته وكنهه لأن ذلك مستحيل ، وليس عليه تعالى أن يعرّفهم ذلك لأنه غير ممكن ، وحينئذ فهو لا يريد أن معرفته غير واجبة قبل تعريفه المستلزم للدور الفاسد كما يزعم الخصوم.