الثاني : أن متمسك هؤلاء ليس إلاّ الاستبعاد وقياس الغائب على الشاهد واشتباه العاديات بالبديهيات ، في آية لا تدركه الأبصار نفي الإدراك الّذي بمعنى الإحاطة لا نفي الرؤية ولا يستلزم نفيه نفيها ، لأن الإدراك والرؤية متباينان في الحقيقة ، والإدراك في اللّغة : الإحاطة بدليل قوله تعالى : ( حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ ).
« وأما العترة فقد روى ابن بابويه .. إلخ ».
المؤلف : أولا : « قوله إن رؤية الله ممكنة ، وأن الكاذبين سيرون عذابه في أسفل درك من الجحيم ».
فيقال فيه : أجمع العقلاء كافة على أن الرائي لا يرى إلاّ بالحاسة ، والرائي بالحاسة بالضرورة لا يرى إلاّ ما كان مقابلا كالجسم ، أو حالاّ في المقابل كاللّون ، أو في حكم المقابل كالوجه في المرآة ، ومن حيث أن الله تعالى لم يكن جسما ولا حالاّ في المقابل ولا في حكم المقابل علمنا استحالة رؤيته مطلقا ، وخالف هذا الخصم محتجا ببعض الخرافات المقتبسة من التوراة المحرّفة التي تلقاها أعداء الإسلام بالقبول فنسبوها إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إفكا وزورا ، ومن الطبيعي إذا كانت مقدمات الدليل هي الخرافات والأباطيل التي كان يدلى بها عقول هؤلاء فلا تكون النتيجة إلاّ خرافات وأباطيل.
وإذا ما كشفنا لك عنها فإنك تعرف أنها مزاعم لم يرجعوا فيها إلى منطق العقل وإنما تلقوها من الآخرين بلا تفكير ولا تمحيص.
ثانيا : قوله : « إن سؤال موسى الرؤية يدل على إمكانها ».
فيقال فيه : إن مجرد السؤال لا يدل على إمكان المسئول عنه ، وذلك فإن قوله تعالى : ( لَنْ تَرانِي ) [ الأعراف : ١٤٣ ] أوضح دليل على امتناع رؤيته إطلاقا ، وتلك قضية : ( لن ) التي تفيد نفي التأبيد عند أهل اللّغة ، وهذه القرينة في الآية من