الأول : أن سؤال موسى عليهالسلام الرؤية يدلّ على إمكانها لأن العاقل فضلا عن النبيّ عليهالسلام لا يطلب المحال ولو بتكليف الغير ولا مجال للقول بجهل موسى بالاستحالة ، فإن الجاهل بما لا يجوز على الله لا يصلح للنبوّة ، إذ الغرض من النبوّة هداية الخلق إلى العقائد الحقّة ، وأيضا لا يصح أن يقال إنما سأل موسى الرؤية لتكليف القوم حيث قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة وقالوا أرنا الله جهرة ، إذ لو كانت الرؤية ممتنعة لوجب عليه أن يبيّن جهلهم ويزيح شبهتهم كما فعل بهم لمّا قالوا : ( اجْعَلْ لَنا إِلهاً ) وأيضا لو كان سألها لتكليفهم لقال ربّ أرهم ينظروا إليك.
والثاني : أنّه تعالى علّق الرؤية على استقرار الجبل وهو أمر ممكن في نفسه ، والمعلّق على الممكن ممكن ، لأن معنى التعليق الإخبار بوقوع المعلّق عند وقوع المعلّق عليه والمحال لا يثبت على شيء ، وأيضا ما صح عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : ( سترون ربّكم عيانا يوم القيامة كما ترون هذا القمر ) ومما يدل على الرؤية قوله تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) [ القيامة : ٢٣ ـ ٢٤ ] والنظر المتعدي بإلى بمعنى الرؤية.
أما العقل : فإنّا نرى الأعراض كالألوان والأضواء وغيرهما والجواهر والطول والعرض في الجسم فلا بد لها من علّة مشتركة بينها ليكون المتعلّق الأول للرؤية ، وذلك الأمر إما الوجود أو الحدوث أو الإمكان والأخيران عدميان لا يصلحان لتعلّق الرؤية بهما فلم يبق إلاّ الوجود وهو مشترك بين الواجب والممكنات فيجوز رؤيته عقلا ، والمراد بالوجود مفهوم مطلق الوجود الحقيقي وما به الموجودية.
وبالجملة أن المعتمد في مسألة الرؤية إجماع الأمة ، وقد أنكر الرؤية جميع فرق الشيعة إلاّ المجسّمة منهم ، وقالوا : يستحيل رؤية الله ، وعقيدتهم هذه مخالفة للكتاب لقوله تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) وقوله تعالى في حق الكافرين : ( إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) [ المطففين : ١٥ ] فعلم أن المؤمنين لا يكون لهم حجاب عن ربهم.