فظهر من ذلك كلّه أن اعتبار شرط الانتصار دائما والغلبة أبدا في تحقق اللّطف شيء اخترعه المنافقون الّذين يقولون في الله تعالى إنه أراد الانتقام من أنبيائه وخلفائهم ، وما أراد لهم الرحمة ولم يكن لطيفا بعباده بل كان ظلوما غشوما تعالى عما يقول المنافقون لأنهم مغلوبون مقتولون ومقهورون ومخذولون من أعدائهم ومخالفيهم ـ كما يزعم الخصوم ـ : ( أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) [ الأعراف : ١٦٩ ].
ثم إن ما ابتلى به الله تعالى نبيّه أيوب عليهالسلام وغيره من الأنبياء عليهمالسلام ـ كان على زعم هذا الخصم العنيد ـ أنه تعالى أراد الانتقام منه لأنه لا عوض على زعمه ، وكذا الحال في يوسف ويعقوب عليهالسلام وغيرهما من الأنبياء عليهمالسلام الماضين ، فإن منهم من قتلوه قتلا ، ومن نشروه بالمناشير ، ومن ذبحوه ذبحا ، ومن طبخوه طبخا ، ومن رسّوا عليه الأرض رسّا ، وكان بنو إسرائيل يقتلون في كلّ ليل إذا يغشى أو نهار إذا تجلّى عدا كبيرا من أنبياء الله تعالى ، وقد استعملت معهم أممهم كلّ ألوان التحقير والعذاب والإهانة والاضطهاد إزاء دعوتهم إلى الله تعالى وهدايتهم إلى سبيل الهدى وطريق الرشاد ، وكان أعظمهم أذى في ذات الله هو نبيّنا خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت ) وهذا معلوم لدى كلّ أحد ، فعلى قول الخصوم إنه تعالى لم يرسل الأنبياء عليهمالسلام إلاّ لينتقم منهم وما جعل خلفاءهم بعدهم خائفين مقهورين مغلوبين مستترين إلاّ ليلعب ويعبث وينتقم منهم أيضا ـ تعالى الله عمّا يصفون ـ.
ولو عرف الخصم بما في ذلك من اللّطف العظيم والثواب الأوفى والرحمة الواسعة والدرجات الرفيعة والمقام المحمود عند الله ، وما أعدّه لهم من عظيم الزّلفى لعاد أخيرا إلى كلامه ومحاه بالماء الّذي يتقطر من جبهته خجلا.
قال الآلوسي ص : (٨٢) : « وأيضا ما ذكروه من تخويف النّاس للأئمة غير مسلّم وهذه كتب التأريخ في البين ، وأيضا التخويف الموجب للاستتار إنّما هو إذا