المؤلف : إن أراد الآلوسي من عدم استبداد العبد في إيجاد فعله أن الله تعالى لم يخلق فيه القوة والقدرة على إيجاد أفعاله الصّادرة عنه بالاختيار ، وأنّه تعالى لم يعطه شيئا من ذلك إطلاقا حتّى يستطيع القيام به على إيجاد أفعاله بل هي منه لا من الله تعالى فذلك ما لا يقول به ذو عقل ، وإن أراد أن أفعاله الاختيارية من حركاته وسكونه الصادرة عنه بالوجدان في الخارج بالإرادة مخلوقة لله تعالى كما يقتضيه قوله : ( بل أفعاله مخلوقة لله تعالى ) فهو ضلال وإضلال لا يحتمله إنسان له عقل أو شيء من الدين ، وذلك لأن كلّ عاقل لا يشك في الفرق بين حركاته الاختيارية والاضطرارية ، وهو من المرتكزات العقلية الموجودة عند عقل كلّ عاقل ، بل هو ثابت في المجانين والأطفال ألا ترى أن الطفل إذا ضربه غيره بحجارة تؤلمه فإنه بطبيعته يدين الرامي له دون الحجارة ، ولو لا ارتكاز ذلك الأمر الفطري في قلبه من كون الرامي فاعلا دون الحجارة لما استحسن ذم الرامي دونها ، ولعلّ ثبوته في الحيوانات أمر لا ينكر فكيف يا ترى جاز للآلوسي أن يزعم أن أفعال العبد مخلوقة لله تعالى وخلافه جبلّيّ فطري في كافة الكائنات الحيوانية من حميرها وبقرها ونحوها من البهائم.
قال الآلوسي ص : (٥٣) : ( الرابع : لو كان حسن الفعل وقبحه عقليّين لزم تعذيب تارك الواجب ومرتكب الحرام سواء ورد الشرع أم لا ، واللاّزم باطل لقوله تعالى : ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) [ الإسراء : ١٥ ] ).
المؤلف : أورد الآلوسي عدّة آيات بذلك المضمون وخالها دليلا على صحّة مذهبه ، وهي كلّها لا مستمسك له بها على مبتغاه لخروجها موضوعا وحكما عن محلّ النزاع ، وهكذا استمر في كتابه يحتج بأمور هي بعيدة بمراحل عن الموضوع ولا تتفق معه بوجه من الوجوه.
وخلاصة المقال : إنّ الآلوسي جاء بتلك الآيات وهو على غير بيّنه من أمرها ولا يفهم شيئا من معناها ولا مدلولها ولا يعرف مورد ما تنطبق عليه ، فهو يحاول