بهذا الأسلوب من الاستدلال أن يثبت الشيء بغير دليل ويقصد من وراء سردها هنا وهناك الإغواء والتضليل ، وطبيعي أن العامّي من أهل مذهبه لا يعرف شيئا عن تلك الآيات ولا مواقع الإحتجاج بها ولا يهتدى إلى أنه يوردها في غير موردها ، وكلّ ما يعرفه هو أنها خرجت من رجل وضع على رأسه شعار أهل العلم ويعتقد فيه أنه من العلماء الربانيّين ، وأن ما يورده من الآيات والأحاديث للإحتجاج بها على الخصماء كلّها أدلّة واردة في موردها ، وبذلك أضلّوا كثيرا وضلّوا عن سواء السّبيل ، وحذرا من أن يتسلّق ذلك أذهان نفر ينصتون لها على غير هدى نلقي عليك كلمة صغيرة تقف من خلالها على خروج تلك الآيات بأسرها عمّا وقع فيه النزاع ، ولتعلم أن جميع الآيات الواردة في نفي التعذيب مع عدم البيان الواصل إلى مرتبة التنجّز ـ بالنسبة إلى الواجبات والمحرّمات الشرعية ـ موافقة لحكم العقل في غير ما استقلّ به ( لقبح العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان ) عقلا كما تقدم ذكره ولا شيء مخالفا لحكمه إطلاقا.
وأما قول الآلوسي « بأن الحسن والقبح لو كانا عقليّين لزم تعذيب تارك الواجب ومرتكب الحرام ، سواء ورد الشرع أم لا واللاّزم باطل لقوله : ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) ، فيقال فيه :
أولا : إن أراد بطلان الملازمة في معلوم الحرمة بإدراك العقل لقبحه كالظّلم والكذب والشرك ومعلوم الوجوب كالصّدق والعدل والتوحيد فالملازمة ممنوعة ، لأنّ الآية نصّ في نفي التعذيب مع عدم البيان وعدم العلم بالمحرّمات والواجبات ، أما مع العلم بها فيكون العذاب مع البيان والمؤاخذة مع البرهان كما هو الحال في المستقلاّت العقلية المتقدم ذكرها ، فيخرج ما وقع النزاع فيه بموضوعه عن مورد الآيات كلّها ولا شيء منها يدلّ عليه بإحدى الدلالات.
وإن أراد لزوم العذاب على ما لا يدرك العقل حسنه ولا قبحه كالعبادات ونحوها والمحرمات الشرعية فهو خارج موضوعا عن محلّ النّزاع ، لأن القائلين بالتحسين والتقبيح العقليّين لا يقولون بترتب العذاب أو الثواب على ما لا يدرك العقل حسنه أو قبحه ولا على ما لا يجزم بهما ، وإنّما يقولون كما مرّ ذكره : إنّ