ثامنا : قوله : « وهذا كان أيضا ثلاثة أيام فقياس ما نحن فيه غاية حماقة ووقاحة ».
فيقال : إذا كان الاختفاء واجبا عند ظهور الخوف من الأعداء كما اعترف به الخصم ، فالعقلاء لا يفرّقون في وجوبه بين أن يكون يوما أو يومين أو أكثر وإنما يدوم وجوبه بدوام ما وجب الاختفاء لأجله ، فمتى ما كان الموضوع الّذي من أجله رتب عليه ذلك الحكم باقيا فحكمه لا محالة باق لا يزول إلاّ بزواله ولا يرتفع إلاّ بارتفاعه ، وهذا واضح عند كلّ إنسان له عقل يميّز به بين السرّاء والضرّاء ، فظهر لك جليا أن ما حاول الآلوسي أن يجعله دليلا على إنكار وجوب الاختفاء عند ثبوت موجبه واستمرار بقائه ببقائه الّذي أراد من ورائه أن يجحد لطف الله ونعمه على عباده كان من أظهر الشواهد على فساد طريقته المعوجّة ، وأن السّهم الّذي رمى به خصمه عاد إلى أحشائه.
تاسعا : قوله : « وتفكر في هذا المقام ترى الفلاح وأن الحق عند أصحاب الجنّة وأهل السّنة ».
فيقال فيه : إنه إن أراد من أهل السنّة أنه هو وأخوه والهندي وغيرهما فقد عرفت لا مرّة أن عملهم كان على خلاف السنّة ، وأنهم ما برحوا متمسكين بغيرها ومتجاوزين عنها ومنقطعين إلى ضدّها ، فلا يصح والحالة هذه أن يكونوا منهم إطلاقا ، وإن أراد بها أهل الجنّة فهم لا شك قليلون : ( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ) [ سبأ : ١٣ ] وقد ألمعنا فيما مرّ منّا أن المقصود بهذا القليل في منطوق الآية هم الشيعة الّذين تابعوا أهل البيت عليهمالسلام من آل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنهم مسلمون وهم قليلون ، فلا تنطبق الآية إلاّ عليهم ولا مصداق لها سواهم لخروج الآلوسي وغيره من خصوم الشيعة بوصف الكثرة عن مدلولها كخروج غيرهم من الطوائف بوصف الكفر عنها ، ولا قليل من المسلمين الشاكرين إلاّ الشيعة بالنسبة إلى أعدائهم فهم لا شك أصحاب الجنة.