بعث الأنبياء عليهمالسلام إليهم ما دام الله تعالى أراد لهم في زعم الخصوم أن يرتكبوا كلّ ألوان الفساد والكفر والزندقة والعناد ، وكلّ ذلك رجوع إلى شريعة الغاب وبه تقر عين الآلوسي وأخيه الهندي وأضرابهما.
ثم يقال لهذا الخصم : إنّ العقل حاكم بطبيعته بأنّ الله تعالى عادل حكيم لا يكلّف بغير الطاقة ولا يؤاخذ بغير ذنب ، فكيف يا ترى ينهى هو عن الإضلال والإغواء ، ثم هو نفسه تعالى عن ذلك يفعله على زعم الآلوسي ، فإن من الواضح الّذي لا شك يعتريه أنه لا يليق بأقل العقلاء أن يفعل ما ينهى عنه الآخرين ، فكيف يجوز في منطق العقل نسبة ذلك إلى الله ربّ العالمين ، وفي القرآن العربي المبين يقول الله العظيم : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) [ البقرة : ٤٤ ] ولقد غفل الآلوسي وما أشدّ غفلته عن قول الشاعر العربي :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله |
|
عار عليك إذا فعلت عظيم |
أ ترى يرضى الآلوسي وغيره من الخصوم إذا قلنا لهم إنكم فعلتم كلّ فساد وارتكبتم كلّ موبقة وعملتم كلّ قبيح وشنيع ، وأضللتم العباد وأغويتم الغافلين وأضللتموهم عن طريق الهدى والرشاد ، وأوصدتم الباب في وجوههم أللهم كلا ، بل يطعنون فينا كلّ الطعن ويرفعون عقيرتهم علينا بالسّباب إذا نسبنا إليهم تلك الصّفات الناقصة والرذائل الفظيعة.
فإذا كانوا لا يرضون لأنفسهم صفات النقص وتشمئز نفوسهم من إضافتها إليهم فكيف يا ترى ساغ لهم أن يضيفوا ذلك كلّه إلى الله المنزّه عن كلّ نقص وعيب ، والمستحق لكلّ كمال أعلاه وأسماه إله العالمين وأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين ، وهم غير خائفين من سطوته وغير وجلين من غضبه بما نسبوه إليه تعالى عنه.
ولو تعدينا ذلك إلى آيات الكتاب لوجدناها صريحة الدلالة على خلاف ما ذهب إليه الخصم ، قال تعالى : ( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) [ الإنسان : ٣ ] وقال تعالى : ( وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ