لَهَدَيْناكُمْ ) إبراهيم : ٢١ ] أي لو أنجانا الله لأنجيناكم ، ونحو قوله تعالى : ( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) [ البقرة : ٢٦٤ ] أي لا ينجيهم ، ومستعملة بمعنى الحكم والتسمية ، نحو قوله تعالى : ( فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ ) ـ إلى قوله تعالى ـ ( أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ ) [ النساء : ٨٨ ] والمعنى أتريدون أن تسموا مهتديا أو تحكموا عليه بالهداية من سمّاه الله تعالى ضالاّ وحكم عليه بالضّلال باختياره الضّلال وتقديمه له على الهدى.
وأما كلمة الضّلال الواردة في القرآن فإنها تطلق في اللّغة على معان كثيرة ، منها : الضياع نحو قوله : ( وَوَجَدَكَ ضَالًّا ) [ الضحى : ٧ ] أي ضائعا كما قيل : ( عالم ضاع بين جهّال ) ومنها الهلاك ، ومنها الحكم والتسمية ، ومنها المصادفة والوجدان ، كقوله تعالى : ( وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ ) [ الجاثية : ٢٣ ] أي وجده وصادفه ضالاّ ، ومنها العذاب والهلاك ، نحو قوله تعالى : ( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ ) [ القمر : ٤٧ ] أي في عذاب وهلاك ، ومنها النسيان نحو قوله تعالى : ( أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى ) [ البقرة : ٢٨٢ ].
ومنها الإبطال نحو قوله تعالى : ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ) [ محمّد : ١ ] أي أبطلها ، ومنها الإغواء وليس في القرآن ولا في السنّة من ألفاظ الضّلال بمعنى الإغواء شيء يضاف إلى الله تعالى إطلاقا ، على أنّه لم يرد في لغة العرب أن لفظة أضلّ بمعنى خلق الضّلال في الإنسان ، ولا لفظة هدى بمعنى خلق الهداية فيه.
فظهر لك من هذا كلّه أن القول بكون الله تعالى هو المغوي عن الدين ، والمضلّ عن الرشد ، وأنّ كلّ ضلالة هو فاعلها ـ تعالى عن ذلك ـ إنّما هو من مزاعم الآلوسي وغيره من خصماء الشيعة القائلين إنّ الله تعالى مريد وخالق لجميع أفعال الخلائق أجمعين ، كالكفر ، والشرور ، والمعاصي ، والعهور وغير ذلك من أنواع الفسق والفجور ، ولا شك في أنّ ذلك لو تم للخصوم لبطل كلّ أمر ونهيّ ، وسقط كلّ تكليف وفرض ، بل يبطل الإحتجاج عليهم بالكتب المنزّلة من عند الله والمرسلين المبعوثين من عنده تعالى ، ويبطل كلّ وعد ووعيد إذ لا فائدة حينئذ في