حكم بحسن القياس وجوازه في الأحكام عندهم؟ فالآلوسي إما أن يقول إن للعقل حكما في حسن الأفعال وقبحها أو لا ، فإن قال بالأول ـ وهو قوله ، في حجيّة القياس المستفادة لديه من حكم العقل على حد زعمه ـ هناك بطل قوله هنا ، وإن قال بالثاني ـ وهو قوله ـ بطل قوله هناك ، وكلّ ما يقوله هنا نقوله هناك لأن القياس داخل في الشّق الثالث من معان الحسن والقبح في تقسيمه ، وحسبك هذا التناقض على فساد قوليه معا.
ثم من الطبيعي إلى درجة البداهة عند كلّ ذي عقل سليم من أيّ ملّة ودين ومن أي صنف يكون أن في الأفعال ما هو معلوم الحسن والقبح بضرورة العقل الإنساني كعلمنا بحسن الصّدق النافع وقبح الكذب الضّار ، فإن العقلاء لا يشكّون في ذلك وليس قطع العقل بهذا الحكم البديهي بأقل من حكمه بحاجة الممكن الذاتي إلى السبب المؤثّر ، كما لا شكّ في أن هناك ما لا يقدر العقل على العلم والإحاطة بحسنه أو قبحه فيستفيد ذلك بكشف الشارع عنها للملازمة بين الحكومتين كالأفعال العبادية من الصّلاة ، والصّيام ونحوهما من العبادات.
وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك فذهبوا إلى أن الحسن والقبح شرعيان ، فما حكم الشّارع بحسنه فهو حسن وما حكم بقبحه فهو قبيح ، ولا يحكم العقل بقبح شيء ولا بحسنه بالمرّة ، فجعلوا الأفعال سواء في نفس الأمر وأنها غير منقسمة في ذواتها إلى حسن وقبح ، ولا يتميّز القبيح بصفة تقتضي قبحه بأن يكون هو هذا القبيح ، وكذا لا يتميّز الحسن بصفة تقتضي حسنه بأن يكون هو الحسن ، فليس العقل عندهم منشأ لحسن شيء أو قبحه ، ويعني هذا أنه لا فرق عندهم بين السّجود لإبليس والسّجود لله في نفس الأمر ، ولا بين الصّدق والكذب ، ولا بين النكاح والسّفاح ، إلاّ أن الشرع أوجب هذا وحرّم ذاك ، فمعنى كونه حسنا أنه مأمور به من الشارع وكونه قبيحا أنه منهي عنه من الشرع ، لأن منشأ قبحه كونه منهيا عنه ومنشأ حسنه كونه مأمورا به ، وصرائح العقول تحكم ببطلان ذلك كلّه ، بل الفطرة السّليمة تشهد بفساده وكتاب الله صريح في فساده ، لأن الله