قاضية بامتناع أمر الجماد ونهيه ومدحه وذمه وإثابته وتعذيبه ، فعلى زعم الخصوم يجب أن يكون الأمر كذلك في فعل العبد ، لأنه تعالى يريد منه فعل المعصية ويخلقها فيه ، فكيف وهو العاجز الضعيف يستطيع أن يمانع الجبّار القوي ، ألا ترى أن المنشار الّذي بيد النجّار لا يستطيع أن يمانعه في تحريكه يمنة ويسرة فكذلك يكون الإنسان من هذا القبيل لو صح ما زعمه الخصم.
على أنه إذا طلب الله من العبد أن يفعل فعلا وهو لا يمكن صدوره منه وإنما هو صادر من الله ، كان الله تعالى ـ على زعمه ـ من العابثين اللاّعبين وكان من المكلّفين بغير المقدور القبيح الّذي يستحيل أن يفعله.
وأما قول الآلوسي : « إن للعبد كسبه وعمله ».
فيقال فيه : كان اللاّزم على الآلوسي أن يفكر في جملته هذه قبل أن يوردها مقلّدا للآخرين فيها ، ليعلم ثمة أن خصوم الشيعة إنما التجئوا إلى هذه الكلمة ليدفعوا بها عن أنفسهم ما يترتب على مزعمتهم من إنكار البديهيات الأولية كالواحد نصف الإثنين ، إلاّ أنهم ألقوها وهم على غير بيّنة من أمرها ولا بصيرة من معناها ، وذلك لأن أصل القدرة والإرادة وإن كانتا مخلوقتين في العبد لكن الفعل إنما يتحقق بالإرادة الجازمة الجامعة للشروط والفاقدة للموانع وهي بالطبع اختيارية.
ولنضرب لك مثلا تستطيع من ورائه أن تقطع بصحة ما قلناه وفساد ما زعموه ، وذلك فيما إذا علم أحدنا أن في هذا الفعل نفعا فلا شك في تعلّق إرادته على إختياره ، ولكن مجرد تعلق إرادته به وحدها لا تكفي في حصول مراده ما لم تكن جازمة محركة لعضلاته نحوه ، فلا بدّ حينئذ من انتفاء ردع النفس عنه حتى تكون إرادته جزمية موجبة تامة لفعله ، فإنّا بالوجدان قد نريد شيئا ومع ذلك نأباه ، وهذا أمر طبيعي ثابت لكلّ إنسان له عقل ، وليس من شك في أن ذلك الكفّ والمنع أمر اختياري يستند وجوده على تقدير تحققه إلى وجود الداعي المحرّك إليه ، إذ أن عدم علّة الوجود علّة العدم.