فالإرادة الجازمة اختيارية لاستنادها إلى عدم الكفّ المعتبر فيها إلى الإختيار وإن لم تكن نفسها اختيارية ، ولا يلزم التسلسل المحال بدعوى توقف عدم الكفّ على عدم كفّ آخر لأنها مدفوعة بأنه من التسلسل في الأعدام وهو لا محال فيه إطلاقا ، وبعبارة أوضح أنهم إن أرادوا بالكسب الّذي أضافوه إلى العبد أن وقوع الفعل بإيجاد المكلّف وبفعله بطل قولهم : إن جميع ما يصدر من الإنسان من خلق الله وبإيجاده ، وإن أرادوا أنه ليس بإيجاد المكلّف ولا هو من فعله لزمهم أن يقولوا بجواز التكليف بغير المقدور وهو محال باطل ، وأيّا قالوا فهو دليل على بطلان القول بالكسب.
ثم كان على الآلوسي أن يوضح لنا معنى قوله : ( للعبد كسبه والعمل به ) ومعنى قوله : ( ليس للعبد قدرة على خلقه ) وعلى ما ذا يعود الضمير في قوله :
( العمل به ) وفي : ( خلقه ) فإن كان يعود إلى الكسب فلا معنى لقوله : ( والعمل به إلاّ إرادة تحصيل الحاصل ) وهو باطل ، لأن كسب العبد عمله ولا شيء غيره (١).
وإن كان يريد إعادته إلى فعل العبد فلا معنى له أيضا ، لأن فعل العبد وكسبه وعمله كلّها نظائر وهو قادر عليه فلا معنى لقوله : ( ليس للعبد قدرة على خلقه ) إلاّ إرادة تحصيل الحاصل الباطل أيضا ، ثم إنّا لا نرى في مظانّ اللّغة فرقا بين قولنا للعبد كسبه وعمله وقولنا للعبد فعله وخلقه ، وذلك لأنه إذا كان قادرا على كسبه كان قادرا على فعله وعمله وخلقه ، فإن المعنى في الجميع واحد وحكمه واحد فلا يصح سلب القدرة عنه في واحد دون الآخر بعد أن كان معنى الجميع واحدا ، ومن حيث أن الآلوسي لم يأت على توضيح مزعمته علمنا أنه ألقاها وهو لا يفهم معناها فهو فيها أشبه بقول القائل :
كأنّنا والماء من حولنا |
|
قوم جلوس حولهم ماء |
__________________
(١) والدليل على ذلك قوله تعالى : ( لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) [ البقرة : ٢٨٦ ] أي لها ثواب ما عملت من الطاعات وعقاب ما عملت من المعاصي ، وعليه يكون معنى قوله : ( وللعبد كسبه والعمل به ) هكذا وللعبد كسبه والكسب به وهو لا ينطق به عربي ، وكذا الحال في قوله : ( ليس للعبد قدرة على خلقه ) لأن خلق العبد هو فعله لا سواه ، وهو ما يتعلق بإيجاد الشيء وهكذا فعله وكسبه وهذا لا غبار عليه.