فإن المعنى في البيتين واحد.
أما كلمة ( الخلق ) فلا دليل على حرمة إطلاقها على ما يصدر من العبد ، وحينئذ فلا فرق بين أن نقول خلق الخمر أو عملها وبين أن نقول فعل الخمر أو صنعها ، لأن المدلول عليه في الجميع واحد مفهوما ومصداقا للترادف بينها.
ومن هنا يتضح جليا بأن الآلوسي لما رأى المتقدمين عليه من خصوم الشيعة يقولون إن العبد مكلّف بالكسب فرارا من الممتنعات العقلية التي وقعوا فيها ـ كما ألمعنا ـ سجل تلك الكلمة في كتابه ظنا منه بأن لها معنى محصلا مقصودا ، فهو لا يدري ولا هم يدرون ما معناها ولا يعرفون مغزاها ، ولكن الناس كلّهم يعلمون أنها لا ترجع إلى معنى محصل مفهوم إلا إذا كان المقصود فعله ، ومعه يبطل قوله.
ثالثا : لو كان الخالق لأفعالنا هو الله ولسنا فاعلين شيئا لزمهم أن ينكروا بداهة العقل ، وذلك فإن العقل حاكم بالضرورة بأن مدح المحسن حسن وذمه قبيح ، وذمّ المسيء حسن ومدحه قبيح ، وهذا شيء لا يختلف فيه اثنان من أهل العقل ، لذا ترى العقلاء يحكمون جازمين بحسن من يفعل الطاعات دائما ولا يفعل شيئا من المعاصي ، لا سيّما إذا أكثر في إحسانه إلى النّاس وبذل الخير لكلّ أحد وساعد الضعفاء في أمور معاشهم وما يتصل بمعادهم ، وقضى حوائجهم وسدّ حاجاتهم ، كما أنهم يحكمون جميعا بقبح ذم من كان سلوكه في فعل الطاعة وعمل الخير ، ولا يشكّون في نذالة الذام له وسفالته ويبالغون في ذمه وإهانته وتحقيره ، ويزداد حكمهم بقبحه إذا كان ذمه لأجل إحسانه وفعله الطّاعة وعمل الخير ، ولو انعكس الأمر لانعكس حكمهم.
لذلك تراهم يحكمون حكما قطعيا بقبح المدح لمن يفعل الظلم والجور والغصب والعدوان ، لا سيّما على من بالغ في ظلمه وعدوانه ، ويحكمون طبعا بسفاهة المادحين له على ظلمه واعتدائه ، ويكونون مذمومين مدحورين عندهم ، كما أنهم يحكمون بالضرورة بقبح من ذمّ إنسانا لأجل كونه طويلا أو قصيرا ، أو لأن السّماء فوقه والأرض تحته ، ولا مماراة في أنه إنما يحسن هذا المدح والذم