لو كان الفعلان صادرين من الإنسان نفسه ، فإنه لو لم يصدر عنه لم يحسن مدحه وذمه ، وهذا لعمر الله من المرتكزات الفطرية والأمور الجبلّيّة التي لا يشك فيها من يميّز بين يمينه وشماله ، وأنت ترى الآلوسي يمنع هذا الحكم العقلي البديهي ، فهو يمنع حسن مدح الله على نعمه ، ويمنع حمده على آلائه الظاهرة والباطنة على عباده ويمنع شكره والثناء عليه ، ويرى من القبيح ذم إبليس ولعنه ولعن من كان مثله من المنافقين والكافرين ، فكيف يا ترى تنخدع أيها العاقل اللّبيب بهذه المزاعم التي تأباها الفطرة السليمة وينبذها التوحيد الخالص.
ثم نقول للآلوسي : إن وجود الإختيار والقدرة في الفاعل الّذي هو العبد وكسبه ومباشرته للأفعال إن كانت داخلة في إيجاده الفعل تم مطلوبنا من استناد الفعل إليه لا إلى الله تعالى ، وإن لم تكن داخلة فيه لزم الجبر الباطل مطلقا ، وذلك لأنه إذا لم يكن لقدرة العبد في إيجاد الفعل دخل لم يبق فرق بين إيجاده وعدمه ، فيكون تعذيبه حينئذ من تعذيب العبد على فعل لم يكن منه وهو قبيح عقلا وشرعا ، وفي القرآن يقول الله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) [ الأنعام : ١٦٤ ].
رابعاً : لو لم تكن الأفعال صادرة عنّا ـ كما يزعم الخصوم ـ لزمهم أن يقولوا بجواز ما لا يجوز بالضرورة ، وذلك لأن فعلنا إنما يقع على الوجه الّذي نريده ونقصده ولا يقع على الوجه الّذي نكرهه ، وكلّنا يعلم أننا إذا أردنا الحركة إلى اليمين لم يقع منّا إلى اليسار وبالعكس لو أردنا الحركة إلى اليسار لم يقع منّا إلى اليمين ، وهذا أمر طبيعي يشعر به كلّ إنسان ، فلو كانت أفعالنا مخلوقة لله تعالى وصادرة منه تعالى وليست صادرة منّا لجاز أن تقع على عكس ما نريده ، فيجوز أن تقع الحركة إلى اليمين ونحن نريد الحركة إلى اليسار ، وأن تقع إلى اليسار ونحن نريد اليمين ، وهذا معلوم بالضرورة بطلانه.
فقدرتنا على أفعالنا إن لم تكن مؤثرة في إيجادها فليست من القدرة لنا في شيء ولا هي منّا على شيء.
خامسا : لو كان الخالق لأفعالنا هو الله تعالى دوننا ـ كما يزعمون ـ لزمهم أن يقولوا بأن الله الرءوف الرحيم أظلم الظّالمين ـ تعالى عن ذلك ـ وذلك فإنه