ثم إن الآلوسي لم يأت على ذكر قوله تعالى : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ) [ البقرة : ٥٥ ] ولم يذكر قوله تعالى : ( فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) [ النساء : ١٥٣ ].
ولتكن أيها القارئ على يقين من أن الآلوسي إنما أسقط هاتين الآيتين من حسابه وأهمل ذكرهما في مورد الإحتجاج خشية أن ينكشف بذكرهما فساد ما جاء به ، وذلك لأن رؤيته تعالى لو كانت ممكنة ـ كما يزعم الخصم ـ لكان من المحال على الله تعالى أن يعذّب قوم موسى عليهالسلام بإنزال الصّاعقة عليهم لأنهم طلبوا منه ما يمكن وقوعه ، بدليل قوله تعالى : ( فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) [ النساء : ١٥٣ ] لأنّا نعلم بالضرورة من الدين أن الله لا يرضى بعذاب أمة علّقوا إيمانهم على أمر ممكن وجائز الوقوع وطلبوه منه واعترفوا بأنهم يؤمنون بعد وقوعه كما يدل عليه قوله تعالى حكاية عنهم : ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً ) [ البقرة : ٥٥ ] فلو كانت رؤيته ممكنة كما يزعم الخصوم لأخبرهم بإمكانها لا بإنزال الصّاعقة عليهم لا سيّما بعد ملاحظة قوله تعالى : ( وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ) [ الضحى : ١٠ ] وقوله تعالى حكاية عنهم : ( ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ ) [ الأعراف : ١٣٤ ـ ١٣٦ ] فإنهم علّقوا إيمانهم على كشف الرجز عنهم وهو أمر ممكن الوقوع ، لذا كان الانتقام منهم بعد كشفه عنهم وهذا بخلاف الآية ، فإن الصّاعقة نزلت عليهم بمجرد أنهم طلبوا رؤيته ، فلو كانت رؤيته ممكنة لأجابهم إلى طلبهم فإن نكثوا بعد ذلك كانوا مستحقّين لإنزال الصّاعقة عليهم ، كما كان الحال في كشف الرجز عنهم ومن حيث أنهم استحقوا العذاب لأنهم طلبوا الرؤية التي علّقوا عليها إيمانهم فلم يجبهم إليه ، وأجابهم إلى كشف الرجز الذي علّقوا إيمانهم عليه علمنا أن الأول وهو الرؤية ممتنعة وأن الثاني وهو