فيقال فيه : الرواية إن صحت فلا دلالة فيها على اعتبار القياس في شيء ، لأن قوله عليهالسلام : ( أتوجبون عليه الحدّ ولا توجبون عليه صاعا من ماء ) مسوق لبيان الحكم الواقعي ، وأن حكم الله في هذه الواقعة هو وجوب الغسل مضافا إلى الحدّ ، ولكن لمّا أنكر القوم هذا ورتّبوا الحدّ عليه خاصة أجابهم بذلك للتنبيه ، والدلالة على ما ألزموا به أنفسهم من تجويزهم القياس في الأحكام ، فكأنه عليهالسلام أراد بذلك أن يقول : أتراكم تجوّزون القياس في الأحكام فكيف تمنعونه هنا ، مع أنه لو جاز شيء منه لكان هذا من أظهر مصاديقه وأبين أفراده ، ومن حيث أن الآلوسي لم يهتد إلى معنى كلامه عليهالسلام ولم يفهم شيئا من مغزاه ، ولم ينتبه إلى مرماه ، ظن أن ذلك من القياس الباطل ، وأيّ حاجة به عليهالسلام إلى القياس وهو باب مدينة علم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعديل كتاب الله ، وحامل علم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذي لا ينطق عن الهوى وعنده علم الكتاب ، والقياس لا شك في أنه من الهوى ولا شيء منه من عند الله.
وجملة القول إنه عليهالسلام أراد بذلك أن يبيّن الحكم الواقعي ، وأن الغسل واجب عليه شرعا كوجوب الحدّ عليه ، وإنما عبّر بذلك ليلزم المنكرين عليه والمخالفين له بمثل هذا الجواب القاطع لإنكارهم ، والرافع للجاجهم ، والحاسم لنزاعهم ، ولو لم يجبهم بما هو عندهم حجّة لاختلفوا فيه ولامتنعوا عن قبوله ، لا أنه عليهالسلام يريد القياس أو إثبات الملازمة بين الغسل ومطلق ما عليه الحدّ ، بل ولا من باب الأولوية كما نسبه إلى الإمامية إفكا وزورا.
وأما قوله : « لأن المساحقة موجبة للتعزير والحدّ ولا توجب الغسل ».
فيقال فيه : إن أراد أن ذلك لا يوجب الغسل مطلقا وإن أنزلت ففساده واضح ، وإن أراد به نفي الملازمة بين الغسل والحدّ فقد عرفت عدم دلالة الرواية على اللّزوم ، وأن كلامه عليهالسلام كان مسبوقا لبيان الحكم الواقعي في هذه الواقعة ، على أنّا قد ألمعنا بأنه عليهالسلام ليس ممن يحتاجون إلى القياس لأنه أحد الثقلين الّذي لا يزال مع القرآن والقرآن معه ، وإنما يحتاج إلى القياس الجاهل بالأحكام فيقول به في الدين بغير علم ممن لا حريجة له في الدين وهو غيره.