جرّه عقله إلى الإعتقاد بمثل هذه المزاعم المعلوم بالبداهة فسادها لا يصح في منطق العقل والوجدان عدّه من أهل التمييز والعرفان ، لذا تراها أثّرت على ذهن الهندي فاتصل أثرها بعقل أخيه الآلوسي من خصوم الشيعة وأعدائها.
السابع : لو كان الحسن والقبح سمعيّين لبطل وجوب معرفة الله تعالى الواجبة بالضرورة ، وذلك لأن شكر النعمة واجب بالضرورة عقلا ، وإنّما صار واجبا لحكم العقل بحسنه والمدح عليه فيجب قطعا شكر فاعلها ، وهو لا يحصل إلاّ بمعرفته فتتوقف معرفته على أمره بشكر نعمته الّذي يكون حسنا بأمره ، لأنه ليس حسنا عقلا على مذهب الخصوم ، فلو توقف أمره بشكر نعمته على معرفته لزم الدور المعلوم بالبداهة عقلا بطلانه.
الثامن : لو كان اعتبار الحسن والقبح مستفادا من السّمع لزم منه توقف وجوب سائر الواجبات على ذهاب الشّريعة ، وهو ما يؤدي إلى إفحام جميع الأنبياء عليهالسلام.
وتقريبه أن الأنبياء عليهالسلام إذا جاءوا إلى المكلفين وأمروهم بتصديقهم وإتباعهم لم يجب ذلك عليهم إلاّ بعد أن يعلموا بصدقهم وأنهم مرسلون من عند الله تعالى ، لأن مجرد الدعوى لا تثبت صدقهم بل ولا مجرد إظهار المعجزة على أيديهم ما لم ينضم إلى ذلك أمران ، الأول : أن تكون هذه المعجزة من عند الله ، فعلها لغرض التصديق بأنبيائه عليهمالسلام ، الثاني : أن كلّ من حكم الله بصدقه فهو صادق ، وكلّ ذلك يتوقف على الأمر والأمر موقوف عليه فيدور ، ولما كان علمنا بصدقهم موقوفا على هذين الأمرين لم يكن ضروريا بل نظريا لتوقفه على أمر الشّارع.
وحينئذ فللمكلفين أن يقولوا لا نعرف صدقهم إلاّ بالنظر والنظر لا نجريه ولا نعمله إلاّ إذا وجب علينا وعرفنا وجوبه وإلاّ فلا حجّة في قولهم عليهمالسلام علينا ، وأما معرفتنا لهذا الوجوب فلا يكون إلاّ بقولهم وقولهم ليس بحجّة إلا بعد علمنا بصدقهم ، وصدقهم لا يكون إلاّ بأمرهم ، وحينئذ تنقطع بذلك حجّتهم عليهالسلام وتنتفي فائدة إرسالهم ، والله تعالى يقول : ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ