وأما زعم الآلوسي : « أنّ عدم إظهاره تعالى المعجزة على يد الكذّابين ليس لكونه قبيحا بل لعدم جريان عادة الله على إظهار المعجزات على أيدي الكذابين ».
فهذا شيء التقطه من وراء أشياخه دون أن يفكر في عدم صحته ، وذلك فإنه إذا كان : ( لا واجب عليه تعالى ولا قبح منه ) كما يقول الخصم فلا يجب عليه إجراء تلك العادة ، وحينئذ فلا يوجب إظهارها القطع بصدق دعوى النبوّة ، ثم إنّ عدم جريان عادة الله على إظهار المعجزات على أيدي الكاذبين ـ كما يقول الخصوم ـ موقوف على العلم بجريان عادته على عدم إظهاره المعجزة على يد الكاذب ، فلو توقف العلم بجريان عادته على عدم إظهار المعجزة على يد الكاذب لزم الدور الصريح وهو باطل ، وما يتوقف على الباطل باطل.
السادس : لو كان كلّ من الحسن والقبح شرعيّا ولا قبح من الله ولا واجب عليه لكان من الحسن أن يأمر الله تعالى بالكفر وعبادة الأصنام والسّجود للأوثان وتكذيب الأنبياء عليهمالسلام والسّرقة والزنا ونحوها من أقذار القبائح العقلية ولحسن منه تعالى أن ينهى عن العبادة الواجبة كما يزعم الآلوسي في ص : (٥٢) من كتابه بقوله : ( وكلّ ما نهى عنه فهو قبيح حتّى لو انعكس الحكم لانعكس الحال كما لو نسخ الوجوب إلى الحرمة ) ويعني هذا تحريم العبادة الواجبة لأن تلك الجرائم والمنكرات غير قبيحة في نفسها وإنّما حسنها وقبحها بأمر الله ونهيه.
وحينئذ فلا فرق بينها وبين الأمر بالإطاعة ، فشكر المنعم مثلا والصّدق والأمانة والعدل ليست حسنة في نفسها ، فلو نهى الله تعالى عنها لصارت قبيحة ، ولكن بالصّدفة أنه أمر بهذه الحسنات بلا حكمة ولا غرض فصارت حسنة كذلك ، وبالصدفة أنه نهى عن تلك السيّئات فصارت قبيحة لعدم الفرق قبل تعلّق الأمر والنهي بينهما في نفس الأمر ، والواقع كما يزعم الخصم من أن الأفعال في نفس الواقع متساوية في عدم اقتضاء شيء منها الحسن والقبح مطلقا ، على أن هذه الصّدفة أو قولهم جري العادة أو اتفق أنّه تعالى أمر بتلك ونهى عن هذه كلّها أيضا محتاجة إلى مثلها في الوجود ، فالصّدفة تحتاج إلى صدفة وهكذا العادة والاتفاق ، فإما أن تتسلسل أو تدور على نفسها وبطلان ذلك كلّه واضح ، ولا شك في أن من