موجبة لقبح الكذب ، ولا يلزم من إنكارهم هذا عدم معرفتهم بالثواب في الأول والعقاب في الثاني لأنهم وإن أنكروا الشّرائع كلّها إلاّ أنهم لم ينكروا شيئا من الإلهيات كي لا يعرفوا الثواب والعقاب على الأفعال ، وإنّما قالوا إنّ المعرفة بذلك غير موقوفة على إرشاد المرسلين عليهالسلام وتعليم النبيّين عليهالسلام لأن حكم العقل به كاف عن إرشادهم عليهمالسلام فراجع ص : (٦٩) من الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم من جزئه الأول لتعلم ثمة بطلان ما زعمه هذا الآلوسي وصحة ما نقول.
الرابع : حكم العقل بقبح التكليف بغير المقدور ، كتكليف الأعمى بتنقيط المصحف ، والمقعد بالطيران إلى السّماء ، وحسن التكليف بالمقدور وحكمه الضروري بقبح ذم العلماء لعلمهم ، أو الزهاد لزهدهم وحسن مدحهم ، وحكمه بقبح مدح الجهال لجهلهم وحسن ذمهم عليه ، وحكمه بقبح العبث من العاقل ، كما لو دفع شخص لآخر في سلعة له مائة دينار في بلده ودفع إليه آخر مائة دينار في بلدة أخرى بشرط أن يحملها إليه ويتحمل عناء السّير وعناء السّفر مع تساوي القيمتين هنا وهناك فاختار الأخير ، إلى غير ما هنالك من حكمه البديهي مما لا سبيل إلى إنكاره وجحده حتّى من الصبيان الّذين لا يتأتى لهم غالبا الحصول على الضروريات إلاّ من هذا الآلوسي وأخيه الهندي وغيرهم من خصوم الشيعة وأعدائها.
الخامس : لو كان الحسن والقبح شرعيّين وليس للعقل فيهما حكم لما قبح من الله شيء كما يعتقد الخصوم من أنه لا قبح منه ولا واجب عليه ، لذلك أسندوا جميع الأفعال إليه تعالى سواء أكانت حسنة أم قبيحة بنظر العقل ، فجوّزوا على الله أن يظهر المعجزات وخوارق العادات على أيدي الكاذبين ، وتجويز ذلك على الله من أقوى العوامل على سدّ باب معرفة النبوّة وغلق باب الرسالة ، وذلك لأن كلّ نبيّ لو أظهر المعجزة بعد ادعائه النبوّة فلا يمكن الحكم بصدقه مع جواز إظهار المعجزة على يد الكذابين في دعوى النبوّة وتلك قضية كونهما شرعيّين ، على أنّ من الواضح قبح الحكم عقلا بعدم قباحة صدور القبائح المعلوم قبحها بالبداهة العقلية من الله تعالى ، فكيف يحكم هؤلاء بعدم قباحة صدورها من الحكيم الكامل الغني المطلق.