بقبحه كما هو مذهب الآلوسي من أنّه أمر بالصّدق فصار بأمره حسنا ونهى عن الكذب فصار بنهيه قبيحا ، وبالعكس يكون الحكم عكسا على نحو يجوز أن ينهى عن الصّدق مطلقا ويأمر بالكذب مطلقا ، وبطلان هذا عند عقول البشر أظهر من بطلان القول بأن الواحد ليس نصف الإثنين.
ولا جائز أن يقول الآلوسي : إنّ الصّدق والكذب قبل الأمر والنهي كانا مشتملين على جهة الحسن والقبح بمعنى النقص والكمال دون الجهة المحسّنة والمقبّحة بمعنى المدح والذم للتناقض الصريح بين قوليه ، وذلك فإن قوله أخيرا : ( إنّ الأفعال لا اقتضاء لها في نفسها بشيء من الحسن والقبح مطلقا بحيث يستحق عليه المدح والذم ، وإنما صار حسنا بأمره وقبيحا بنهيه حتّى لو انعكس لانعكس الحكم ، بأن أمر بالقبيح ونهى عن الحسن ) كما في ص : (٥٢) من مزخرفاته.
وهذا القول يعني أنها لا توصف بشيء من الحسن والقبح مطلقا وإنّما حسنها وقبحها منوطان بأمر الشّارع ونهيه ، وقوله :
( أولا باشتمال الأفعال على الحسن والقبح بمعنى النقص والكمال كالعلم والجهل وملائمة الطبع كالظلم والعدل ) يقتضي أنها توصف بشيء من الحسن والقبح ، وهل هذا إلاّ تناقض فاضح وجزاف في الحكم والتحكم على الله بغير علم ، على أنّه لا يجوز النهي عن الصّدق بالضرورة وإلاّ لزم المساواة بين الصّدق والكذب والإيمان والشرك هكذا ، والقائل بهذا لا يحسن الكلام معه لأنه ساقط العبارة ، ومنه يتضح بطلان ما ذهب إليه من أنه أمر به فصار بأمره حسنا ، وكذا الكلام في الظلم والعدل ونحوهما من التحسين والتقبيح العقليّين فإنه ليس بد من النزول على حكم العقل بهما.
الثالث : لو كان الحسن والقبح شرعيّين لما حكم من ينكر الشرائع بأسرها كالبراهمة بحسن الحسن وقبح القبيح والمدح على الأول والذم على الثاني ، لأنهم لا يعتقدون بشريعة ولا يدينون بدين مطلقا مع أنهم يحكمون بالحسن والقبح اعتمادا على حكم العقل الضروري بذلك ، ولم يكن اعتمادهم على حكمه فيه إلاّ من حيث أنّ عند عقولهم قبل ورود الأمر والنهي جهة موجبة لحسن الصّدق وصفة