الذم عليه ، فحكمه بالمدح أو الذم على ارتكاب الفعل تابع لحكمه بحسنه أو قبحه وهو غير مأخوذ فيه بالإضافة إلى تلك الاعتبارات ، فتلك الاعتبارات المضافة إلى الفعل علّة موجبة لحكم العقل بحسنه أو قبحه المستتبع لحكمه بترتب المدح أو الذم على فاعله فلا دور ولا خلف فيه إطلاقا إن أردنا من الحسن والقبح المدح والذم على تلك الأفعال المضافة إلى تلك الاعتبارات ، وإنّما يأتي الدور الصريح على القول بأنهما شرعيان كما ستقف عليه عند تقرير أدلة المذهب المنصور على مذهب الخصوم.
وأما قوله : « أو بمعنى غيره فلا يلزم سراية الحسن والقبح بالمعنى المتنازع فيه ».
فيقال فيه :
أولا : إذا كان لا يلزم سراية الحسن والقبح بالمعنى المتنازع فيه ، إذا كان بمعنى غيره ـ على حدّ زعمه ـ فلا يلزم سرايتهما ، كذلك أيضا إذا كان بمعنى الكمال والنقص وملائمة الطبع المعترف بحكمه بهما من الآلوسي نفسه ، فما يجيب به هناك نجيب به نحن هنا.
ثانيا : إنّ الحسن أو القبح هو بمعنى المدح أو الذم في الأفعال المضاف إليها تلك الاعتبارات لا غير ، وقد استقلّ العقل بالمدح في الأول والذم في الثاني ، كالصدق مثلا فإنه ممدوح والكذب فإنه مذموم عقلا ، وهذا يطّرد ويسري في كافة الأفعال بالوجوه والاعتبارات الواقعة عليها ، وما زعمه الخصم من عدم السّراية خلط وخبط ناشئ من عدم فهمه بمحل النزاع فيبني عليه ما يشاء.
وجملة القول : إنّ محلّ النزاع هو إعطاء العقل صلاحية الحكم بالمدح على فعل الحسن والذم على فعل القبيح ، والثواب للأول والعقاب على الثاني سواء أكانا مستندين إلى الصّفات القائمة بالأفعال أو بالوجوه والاعتبارات الواقعة عليها.
ثم إنّ الآلوسي لم يذكر أدلّة المذهب المنصور القائلين بالتّحسين والتّقبيح العقليّين ، وإنّما اقتصر على ذكر أمور فاسدة وحكاية أباطيل خارجة عن الموضوع يحاول بها تضليل العقول ، ولا شك في أنّ هذا ليس من صفات المسلم الباحث