أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ ) [ المائدة : ٤٩ ] فلو كان القياس مما يجوز اتباعه في الشرعيات ويجوز العمل به لكانت هذه الآية باطلة لا معنى لها ؛ لأن القياس من الأهواء التي حذّر الله تعالى من أتباعها ، وليس هو مما أنزل الله في شيء ولا هو منه على شيء ، لذا تراه أمر نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن يحكم بما أنزله ونهاه عن إتباع أهواءهم ، فمفهوم هذه الآيات واضح ، وهي لا تتفق مع ما يدعيه الآلوسي من اعتبار القياس ، بل هي أدلّة قويّة على فساده وسقوطه عن الحجيّة وأنه ليس من الدين في شيء.
وخلاصة القول ، نقول لهذا الآلوسي : هل القياس من الدين أو لا؟ وهل هو من هدى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو ليس من هداه؟ وهل هو كالقرآن والسنّة في وجوب إتباعه أو لا؟ فإن قال : إنه من الدين ـ وهو قوله ـ فيقال له : فهل بيّنه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأمته أو لا؟ فإن قال : بيّنه ، فيقال له : أين بيّنه ومتى بيّنه؟ وإذا كان بيّنه فهل عمل به أو لا؟ فإن قال : بيّنه ولم يعمل به ، كان بيانه له عبثا صرفا ولغوا باطلا ، تعالى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ذلك ، إذ كيف يا ترى يكون القياس حجّة يجب العمل به كالقرآن والسنّة ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يعمل به؟ أفهل يجوز لمسلم أن يقول : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ترك الواجب حيث لم يعمل به ، ثم يقال إن ترك النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم العمل به إن كان حقا كان العمل به باطلا ، وإن كان ترك العمل به باطلا لزم إلصاق الباطل بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو كفر وضلال.
وإن قال : بيّنه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعمل به ، فيقال له : إن ما يعمل به النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يكون إلاّ وحيا نازلا من عند الله ، وحينئذ يكون القياس وحيا نازلا من الله ، وهذا هو الكفر بعينه وذلك لأن العامل بالقياس لا يكون إلاّ الجاهل بحكم الله ، ولا شك في أن نسبة الجهل بالحكم إلى وحي الله كفر صراح.
وهكذا الحال لو قال : إنه من هدى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأن هداه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يكون إلاّ من وحي الله ، كما يقول القرآن : ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) [ النجم : ٣ ـ ٤ ] وإذا بطل أن يكون من هدى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان العمل به مشاقّة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لقوله تعالى : ( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ